الأبعاد الإنسانية للتربية وأهدافها في مواجهة الظاهرة الاستلابية للعنف الرمزي "رؤية فلسفية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

تشکل النزعة الإنسانية للتربية أحد أهم المنطلقات في مواجهة إکراهات ومظاهر تبعية واغتراب واستلاب الذات، ويتضح ذلک من خلال جهود العديد من المفکرين الذين أسهموا بالتنظير لنزوع الفرد نحو استقلاليته الذاتية في إطار مسؤولياته الاجتماعية بحيث لا تبعثه على التصادم والاحتدام بل تقوي حريته في اختيار أنماط الحياة بمستوياتها المختلفة، وتزداد أهمية هذه النزعة خاصة مع تنامي سيطرة أفکار وقناعات معطيات الربح والمادة والصراع والتنافس والهيمنة والسيطرة وکل ممارسة من ممارسات العنف الناعم (العنف الرمزي)؛ حيث يحمل هذا العنف ما يتعارض مع قيم الحق والخير والجمال التي تشکل بمجملها منطلق الأبعاد الإنسانية في التربية والتي تعنى بإيقاظ طاقة الروح الضرورية والتوجه الإنساني لمواجهة ثقافة الصمت واستعادة وعي الإنسانية المستلبة، والتمکين من رفض کل أشکال القهر والظلم والطغيان لتجاوز الواقع في تناقضاته المختلفة

الكلمات الرئيسية


الأبعاد الإنسانیة للتربیة وأهدافها فی مواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی

"رؤیة فلسفیة"

إعداد/ دعاء حمدی محمود مصطفى الشریف

أستاذ مساعد بقسم أصول التربیة (کلیة التربیة – جامعة حلوان)

مقدمة

تشکل النزعة الإنسانیة للتربیة أحد أهم المنطلقات فی مواجهة إکراهات ومظاهر تبعیة واغتراب واستلاب الذات، ویتضح ذلک من خلال جهود العدید من المفکرین الذین أسهموا بالتنظیر لنزوع الفرد نحو استقلالیته الذاتیة فی إطار مسؤولیاته الاجتماعیة بحیث لا تبعثه على التصادم والاحتدام بل تقوی حریته فی اختیار أنماط الحیاة بمستویاتها المختلفة، وتزداد أهمیة هذه النزعة خاصة مع تنامی سیطرة أفکار وقناعات معطیات الربح والمادة والصراع والتنافس والهیمنة والسیطرة وکل ممارسة من ممارسات العنف الناعم (العنف الرمزی)؛ حیث یحمل هذا العنف ما یتعارض مع قیم الحق والخیر والجمال التی تشکل بمجملها منطلق الأبعاد الإنسانیة فی التربیة والتی تعنى بإیقاظ طاقة الروح الضروریة والتوجه الإنسانی لمواجهة ثقافة الصمت واستعادة وعی الإنسانیة المستلبة، والتمکین من رفض کل أشکال القهر والظلم والطغیان لتجاوز الواقع فی تناقضاته المختلفة.

ومن ثم شکل مفهوم العنف الرمزی مدخلا سیسیولوجیا مهما من مداخل التحلیل الاجتماعی للظواهر الثقافیة والاجتماعیة، حیث یأخذ مکانه الممیز بین المفاهیم التربویة والاجتماعیة المعاصرة کأداة سوسیولوجیه قادرة على فهم وتحلیل أکثر جوانب الحیاة الثقافیة حضورا وتواترا؛ وهی کیف تتحقق حریة الإنسان؟، وکیف لا یتم استلاب إرادته تحت ضغوط ما أصطلح علیه بالعنف الرمزی؛ وهی ضغوط تتشابک فیها الکثیر من العوامل والمسببات؛ أهمها: العوامل النفسیة والتربویة والنفس- اجتماعیة، وتتقاطع فی تفسیرها ومعالجتها العدید من المجالات المعرفیة: الفلسفة والتربیة والاجتماع وعلم النفس، والأنثروبولوجیا وغیرها.

ومع سیادة الفکر الرأسمالی وخضوع المجتمعات للتفاوت الطبقی، تزداد الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی، وتنجح الطبقات ذات المصالح فی استغلال التربیة فی ترسیخ النمط الاجتماعی الطبقی على حد تعبیر بوردیو من خلال تنوع أنماط التربیة فی المجتمع الواحد واختلاف مستویاتها باختلاف أصول الطبقیة للمتعلمین الداخلین إلیها، فأبناء الطبقات العلیا هم الذین یتمتعون بالنوعیة الرفیعة، وهذا ما یؤدی إلى اختلاف الثقافات وما یجسد بشکل واضح أحد أهم مظاهر العنف الثقافی فی المجتمعات الحدیثة، وهو ما یؤدی بالضرورة إلى زیادة حدة القیم الانتهازیة وتغلیب المصالح الخاصة والمطامح الشخصیة؛ رغبة فی تحقیق المنفعة الفردیة المادیة بشتى السبل والوسائل المتاحة، ومن ثم یتم سلب المتعلم قیمه وثقافته کإنسان(الجاسم، 2011، ص24.) 

وینعکس ذلک على الممارسات المتبعة ضمن منظومة التربیة متمثلة فی نسق العلاقات بین الفاعلین التربویین مما یؤدی إلى إفراغ التربیة من دورها التنویری ومن أبعادها المعرفیة والتثقیفیة وجعلها تقتصر على التکوین والإعداد وفق برمجة آلیة هادفة للنمو الاقتصادی بعیدة عن الحریة والمساواة بین الأفراد، وهذا ما یخلق حالة من التنافس السلبی بین المتعلمین، ولذلک یساوی (فوکو) بین کل من السجن والمدرسة باعتبارهما مؤسّسات تمارس السّلطة والعنف الشّرعی للسیطرة على النّفوس (Foucault ,2003) أکدت تقاریر الیونسکو (إعادة التفکیر فی التربیة والتعلیم، 2015، ص17) أن الأنظمة التعلیمیة تُسهم فی ترسیخ الفوارق التعلیمیة، إذ تُغفل احتیاجات الطلاب التعلیمیة فی المناطق المحرومة والبلدان الفقیرة، جاعلة جودة التعلیم والتدریب العالیة حکراً على فئة دون غیرها من الناس، وأشارت التقاریر إلى أن تنامی الاعتراف بالتنوع الثقافی قد شکل منطلقا ذهنیا للکشف عن الفعالیات الذهنیة الأیدیولوجیة(ألیات الظاهرة الاستلابیة) التی یمارسها المجتمع طبقیا لتشکیل عقول الأفراد، عبر سلطة معنویة خفیة کلیة القدرة، تفرض نظاما من الأفکار والدلالات بوصفها مشروعة.

وفی هذا الإطار یصبح النظام التربوی مؤهلا لتأسیس حالة قیمیة وأیدیولوجیة لفعل التنمیط الثقافی مؤثرا فی بنیة المعاییر النفسیة والاجتماعیة، وضمن هذا الطرح یوضح غرامشی أن الهیمنة الثقافیة من خلال استخدام المنهج التربوی تعد من أهم مداخل اختراق الآخر ثقافیاً ویکون الاعتماد على الأسالیب التربویة فی تحقیق الهیمنة ومن ثم الاستلاب، کما عبر میشال فوکو أیضاً فی هذا البعد بمفهومه طقوس الحقیقة التی تفرض باسم الحداثة والدعوة إلى الاهتداء بها (بیک،٢٠١٠، ص ٦٥٢.).

واستکمالا للطرح السابق یمکن القول أن الظاهرة الاستلابیة أصبحت طرفا مساهما فی عدة قضایا، مثل: البؤس النفسی والاجتماعی (استلاب القیم)، والإرهاب (استلاب الفکر)، والحروب العقائدیة (الاستلاب العقدی)، والأزمات الإنسانیة الناتجة عن الطفرات التقنیة المتسارعة، وقضایا المستقبل الإنسانی، وأزمات الحیاة المعاصرة على اختلافها وتواترها، ومع أهمیة هذه القضایا تتضح ضرورة أن تطرح التربیة سؤالها الدائم حول الحیاة الحقیقیة بأولویاتها الإنسانیة غیر المستلبة أو المنتزعة؛ فالتربیة إذا أغفلت مراعاة تصمیم وتنفیذ سیاسات تربویة تراعی التربیة على حقوق الإنسان ومعالجة حالات النزاع، وتکرار وغرس الفوارق والتوترات الاجتماعیة، فإنه من المحتمل أن تکون هناک عوامل حافزة للعنف وعدم الاستقرار، ومن ثم أکدت تقاریر دولیة على التربیة لتعزیز مبدأ عدم التفرقة وحمایة حیاة جمیع الناس وکرامتهم فی أزمنة العنف ، وهذا یستلزم ضمانة بیئات تعلم إنسانیة للجمیع، خالیة من العنف، شاملة وفعّالة(الیونسکو، 2015، ص17.)، فضلا عن تربیة من أجل القضاء على جمیع أشکال التمییز (United nations, 2013.).

وقد أشارت بعض الدراسات إلى ظاهرة الاستلاب کنتیجة للعنف الرمزی، وتناولت دراسات أخرى النزعة الإنسانیة العقلیة وعلاقتها بنجاح التربیة فی تحقیق أهدافها خاصة فیما یتعلق بالأبعاد والأهداف ذات المغزى القیمی المجرد، وتعد دراسات المفکر الفرنسی Ricœur من أهم الدراسات الرائدة التی لفتت أنظار الباحثین فی مجال العلوم الاجتماعیة والإنسانیة ومنها التربویة إلى خطورة العنف الرمزی حیث أوضح أن العنف الرمزی یتجه فی مساره بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، إلى السیطرة على الآخر والهیمنة على مقدرات وجوده(Ricœur, 1955, p. 227.)، وبلورت دراسات Bourdieu هذا الفکر موضحة مراحله حیث أوضحت نتائج سیطرة رأس المال الرمزی متجسدة فی العناصر الثقافیة من قیم، وتصورات، وأفکار، ومعتقدات، ومقولات، وإشارات، ورموز وغیرها، مؤدیة إلى ممارسة العنف الرمزی مشروعیته التی تعنی قبول هذه السیطرة على أنها مشروعة وحقیقیة من قبل هؤلاء الذین تمارس علیهم مما یؤدی إلى بروز الظاهرة الاستلابیة(Bourdieu, 1992 , p.123)، وفی دراسة أخرى أوضح Bourdieu   دور البنى الرمزیة التی لها سلطة التکوین وأهمها البنى التربویة مؤکدا ضرورة فهم آلیات الهیمنة والسیطرة(بوردیو، 2002، ص179.) وأوضح وطفة خطورة هذه الظاهرة على الهویة نتیجة تأثیر الظاهرة الاستلابیة متمثلة فی الانشطار والانکماش والتجزؤ والتفکک والإحساس بالدونیة، وهذا ما یطلق علیه علماء النفس قلق التفکک والانشطار (وطفة، 2012.).

 ونحو اتجاه معالجة هذه الآثار الاستلابیة یمکن الإشارة إلى عدة دراسات تناولت النزعة الإنسانیة العقلیة، فقد تساءل الخویلدی هل هناک تعارض فی أن یکون العقل ملکة نقدیة وأن یحقق التواصل بین الذات ونفسها والعالم والآخر؟ وهل یشتغل العقل بصورة بدیهیة أم وفق مبادئ وقوانین؟ وهل هذه القوانین فطریة أم مستمدة من التجربة؟ وهل هناک عقل کلی واحد ینطبق على جمیع الناس أم توجد فقط عقول فردیة تشتغل وفق خصوصیة معینة؟

وقد تناول تحلیل هذه التساؤلات مواقف الفلاسفة تجاه حقیقة وجود الإنسان وعلاقة هذا الوجود بالعقلیة العلمیة والعقلیة التواصلیة والمیزات الأخلاقیة(الخویلدی، 2017م) ، بینما رکزت دراسة أخرى على الطاقة الإنسانیة الکامنة لیکون إنسان یتمیز عن الآخرین، إنسان له هدف فی الحیاة(عادل،2015م) هذه العلاقات تناولتها دراسة السید ورمضان وأکدت دورها فی تفعیل دور التربیة لتنمیة الإرادة الإنسانیة(السید، ورمضان، 2006م)،  وهذا ما أشارت إلیه دراسة قمر من خلال مقاربة نظریة لبعض الفلسفات التربویة المعاصرة وموقفها من الطبیعة الإنسانیة وإیضاح أهداف التربیة وأسالیب تحقیقها(قمر،2005).

هکذا أوضح الطرح السابق حول الظاهرة الاستلابیة والأبعاد الإنسانیة للتربیة مدى أهمیة التأصیل الفلسفی للفکر التربوی منعکسة على الأهداف والممارسة کخطوة فی طریق التربیة لمعالجة الافتقار إلى الحریة والتربیة السلبیة المعتمدة على الضغط والخضوع والاستسلام وما ینتج عنها من آثار مدمرة للذات وللمجتمع؛ خاصة مع کل ضغوط الفکر المادی السائد والمسیطر على کل جوانب الحیاة مؤدیا إلى تفریغها من کل جوانب المعنى والقیمة باستثناء القیمة المادیة والمصلحة، مما أدى إلى ازیاد الحاجة لاستعادة الإنسان لإنسانیته، والتربیة هی المنوطة بذلک نظرا لموقعها الرئیس لهذا الإنسان.


مشکلة الدراسة

أوضحت نتائج عدد من الدراساتالآثار السلبیة للظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزیحیث أکدت أن المجتمعات تشهد تصاعداً فی التعصّب الاثنی والثقافی والدینی  رغمالتزاید الملحوظ فی تشاطر المعارف والخبرات وأسالیب التنمیة المستدامة المقتصرة على تنمیة الإنسان من أجل الإنتاج المادی فقط وربط قیمته بهذا الإنتاج، وقدساهم ذلک فی تعبئة الأفراد فی اتجاه یناقض معان الإنسانیة وصولا للعنف الإجرامی والنزاع المسلّح(جهاز الأمم المتحدة المعنی بشؤون المرأة،  2013)، (البنک الدولی 2011)، وهذا ما یعکس العلاقة الملتبسة بین العنف الرمزی واستلاب الهویة، وتصاعد نزعات التعصب متخذة أشکالاً مختلفة من الرفض للآخر والتعصُّب الشدید للذات وخصوصیتها(بیاربورتوا، دسمات، 2005م، بدران، سلیمان، 2009م، بریر، عوض الله، 2010م ، الفراجی، 2009م)، وقد أشار أمارتیا صن sen إلیها (نزعات التعصب)  بالمقاربةالانعزالیَّة معبرا عن الآثار التی یترکها هذا العنف الناعم وأثاره الاستلابیة فی التکوینات الإنسانیة للهویات الفردیة والاجتماعیة(صن، 2008، ص8)،یتفق ذلک مع ما طرحه دولوز وباشلر فی نقدهم للتمثلات المفروضة من الخارج ومن ثم طالبوا بإعادة بناء المعارف مهما کان رسوخها فی الاعتبار المعرفی، وهنا تکمن القوة النقدیة للمنطق التربوی، لمواجهة الطبیعة التقلیدیة والجامدة للتربیة، حیث تعطی هذه القوة الأولویة للمراجعة والتساؤلات وإیجاد الإجابات المتجددة لها(Fabre, 2009, p25.).   

وقد أشارت الجهات التربویة الدولیة منذ أکثر من عقدین إلى مواجهة تلک الآثار السلبیة مؤکدة الأبعاد الإنسانیة للتربیة؛ حیث جاءت توصیات اللجنة الدولیة المعنیة بالتربیة للقرن الحادی والعشرون فی دورتها الأولى (باریس، 1993م) مؤکدة ضرورة تعزیز قیم التعاون والتضامن والتسامح والاحترام،وروح النقد والاستقلالیة والمبادرة والقدرة على التفاوض والمناقشة والتعدد والتضامن والمبادرة واحترام الفوارق الثقافیة وفهمها، وتهیئة الأفراد والجماعات للمشارکة المسؤولة فی مجتمع تعددی، مع الترکیز على التماسک الاجتماعی ومواجهة التهمیش وحل النزاعات، وقد توافق ذلک مع توصیات الدورة الثالثة والأربعون للمؤتمر الدولی للتربیة بجنیف عام 1992م حیث جاءت التوصیات مؤکدة على جوانب التربیة الإنسانیة؛ المتمثلة فی القیم الأخلاقیة والثقافیة والإنسانیة والتعددیة والتراث المشترک للإنسانیة واستیعابه(المؤتمر الدولی للتربیة بجنیف، 1992م).

وما سبق یؤکد إن التربیة الإنسانیة فی مواجهة الظاهرة الاستلابیة تتطلب دراسة کیفیة ضمان التعلیم الجید والمنصف والشامل للجمیع وتعزیز فرص التعلم مدى الحیاة، وبحث دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی من خلال دراسة طبیعة العلاقات بین الأطراف التربویة الفاعلة والمسؤولة وکیف تعمل بصورة متضافرة من أجل الوفاء بمسؤولیاتها الإنسانیة (الیونسکو، التقریر العالمی لرصد التعلیم 2017/2018م)، مع دراسة الحاجة إلى نهج التربیة متکامل الأبعاد الإنسانیة، بغیة تجدید الأسس الأخلاقیة والممارسیة لعملیة تربویة تعلیمیة شاملة لا تقتصر على استنساخ وزیادة أوجه اللامساواة والاغتراب والاستلاب(الیونسکو، 2015م، ص17).

وهکذا یوضح الطرح السابق ضرورة مواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرّمزی المتمثلة فی التّهمیش، والإقصاء وفرض الرّأی، وتقیید الحرّیة، ومن ثم یمکن صیاغة مشکلة الدراسة فی التوصل إلى کیفیة إعادة التربیة لمسارها الإنسانی لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی، ومن ثم تتحدد تساؤلات الدراسة فی التساؤلات الآتیة:

1- ما الأصول التنظیریة لمفهوم الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی؟

2- ما أهم دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فی الواقع التربوی؟

3- ما الأسس الفلسفیة والإبستیمولوجیة للأبعاد الإنسانیة للتربیة؟

4- ما الأبعاد الإنسانیة للتربیة وأهدافها وفعالیاتها لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی؟

ومن خلال بحث تساؤلات الدراسة یمکن تحقیق الأهداف الآتیة:

1- الکشف عن الأصول التنظیریة لمفهوم الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی.

2- تحلیل دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فی الواقع التربوی.

3- التوصل للأسس الفلسفیة والإبستیمولوجیة للأبعاد الإنسانیة للتربیة

4- تحدید الأبعاد الإنسانیة للتربیة وأهدافها وفعالیاتها لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی.

منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على المنهج الفلسفی، بشقیه التحلیل والترکیب، وما یتضمنه من متطلبات النقد والتفسیر والتحلیل والاستنباط والاستقراء للفلسفات والنظریات الإنسانیة والتربویة، بهدف التوصل إلى أبعاد التربیة الإنسانیة ومقاربة الأهداف التربویة، واستخدام الأسلوب التحلیلی الاستنباطی للتوصل إلى الفعالیات والممارسات فی المیدان.

 

أهمیة الدراسة:

تکمن أهمیة هذه الدراسة من الناحیة النظریة فی أهمیة تناول الأبعاد الإنسانیة للتربیة، حیث أنها من الموضوعات التی تم التعاطی معها على أنها من طبیعة التربیة فلم تحظى بالقدر الکافی من الاهتمام البحثی، ولهذا قد تفید هذه الدراسة فی تقدیم دعما إضافیا لأدبیات البحث التربوی فی هذا الجانب من خلال طرحها لبعض الرؤى لأهم الفلسفات الإنسانیة التی قد تسهم فی وضع یتوافق مع طبیعة احتیاجات الفکر التربوی فی مواجهة الظاهرة الاستلابیة وما یترتب علیها من آثار، والمساهمة فی سد الفجوة البحثیة القائمة فیما یتعلق بالدراسات المتعلقة بفلسفة التربیة وما یخص الجانب الإنسانی، والتی قد تسهم فی إعادة النظر فی السیاسات والممارسات التعلیمیة.

         کما أن للدراسة أهمیة تطبیقیة فقد تفید القائمین على العملیة التربویة، والفاعلین فی العملیة التعلیمیة لمواجهة ظاهرتین من أخطر الظواهر الإنسانیة وهی الظاهرة الاستلابیة والعنف الرمزی.

خطوات السیر فی الدراسة:

تسیر الدراسة وفقا للمباحث الآتیة:

المبحث الأول: الأصول التنظیریة لمفهوم الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی.

المبحث الثانی: دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فی الواقع التربوی.

المبحث الثالث: الأسس الفلسفیة والإبستیمولوجیة للأبعاد الإنسانیة للتربیة.

المبحث الرابع: الأبعاد الإنسانیة للتربیة وأهدافها وفعالیاتها لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی.

المبحث الأول: الأصول التنظیریة لمفهوم الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی

أولا: مفهوم الاستلاب:

یشتق لفظ اسْتِلابٌ من المادة [س ل ب]، واِسْتَلَبَ أی حاوَلَ اِخْتِلاَس، ویَعِیشُ حَیاةَ اسْتِلابٍ أی یعیش حَیاةَ خُضُوعٍ واسْتِعْبادٍ بِفِعْلِ ظُرُوفٍ اجْتِماعِیَّةٍ، أو اقْتِصادِیَّةِ، أَوْ فِکْرِیَّةٍ، أَوْ سِیاسِیَّةِ خَارِجَةٍ عَنْ إِرادَتِهِ، بالاِسْتِهْواءٌ، أو الإِغْواء (الرازی، 1979م، ص308)ٌ، وفی معجم ابن منظور یقصد بالاستلاب لغة الاختلاس، سلبت الشیء سلبا(ابن منظور، ص177) أی استولیت علیه.

وفی اللغة اللاتینیة تشیر کلمة الاستلاب (Alienatio) إلى التفسیر القانونی وهو ما یحدث من عملیات (انتقال أو بیع أو تنازل عن مال أو حق)، والتفسیر السیکولوجی (الضعف الفکری والنفسی العام)، والتفسیر الاجتماعی (انحلال الرابطة بین الفرد والآخرین) والتفسیر الدینی (انحلال الرابطة بین الفرد والآلهة)، وفی ضوء ذلک یمکن فهم الظاهرة الاستلابیة على أنها حالة من الإذعان والخضوع عند الأخر بفرضها لنظام من الأفکار والمعتقدات  یتم ترسیخها فی العقول والأذهان، ویدخل هذا المفهوم ضمن  نظریات إنتاج المعتقدات، وإنتاج الخطاب الثقافی، وإنتاج القیم، التی تمکن من السیطرة ثقافیا وإیدیولوجیا على الآخر وتطبیعه، وهذا ما طرحه دولوز وباشلر Dolose and Bachler فی نقدهم للتمثلات المفروضة من الخارج، وطالبوا بإعادة بناء المعرفة مهما کانت، وهنا تکمن القوة النقدیة للمنطق البیداغوجی، حیث تعطی أولویة للإجابة عن الأسئلة وتتجاهل مجال المعان (إعطاء معنى للتعلمات)، کما تعتمد على التقسیم العقلانی للمهام، المثقل بالتوقعات القبلیة السیاسیة وتعتمد علیها السلطات لطرح وبناء مشاکل على الأفراد حلها، دون مناقشة او تفنید الطریقة التی أعلنت بها(Fabre, 2009,p25) ، مما یؤدی إلى  تزاید الهیمنة من خلال غرس قیم الآخر وأخلاقیاته، ضمن الأسلوب القهری للعولمة وتعمیم صور الاستهلاک، وفی هذا، یتضح أن أسالیب الاتصال والتواصل الحدیثة، أصبحت وسائل تساعد على العزلة الاجتماعیة، على العکس من المظهر الذی یوحی خلافاً لذلک، مما یعزز الاغتراب عن الذات من خلال البعد الافتراضی فی الحیاة الاجتماعیة العادیة(أبو زید، 2011م، ص17).  

وما سبق یمثل أساسا لفهم المقصود بالاستلاب؛ الذی یعنی وقوع الإنسان تحت تأثیر شبه مطلق لفکرة ما أو لقوة أکثر تأثیراً من القوى الأخرى تؤدی إلى منع التفکیر الموضوعی العقلانی والاستسلام للجمود الثقافی، مما یؤدی إلى التناقض والتوتر الداخلی للذات بین ما هو ثابت وجامد فی مکوناتها، وبین ما هو جدید یفرض نفسه علیها، وذلک ما یؤدی لنتیجة أکثر خطورة وهی الفوضى الأخلاقیة وفقا لمفهوم "الأنومی" عند دورکهایم، وتکمن الخطورة لهذه الفوضى فی تولید قناعات ومشاعر متناقضة؛ تتمثل فی الدونیة، وازدراء الذات والهویة، أحیانا، أو مشاعر التسلط واللجوء إلى العنف أحیانا أخرى، وذلک ما یؤکد أن العنف الرمزی یؤدی إلى تعزیز وتولید العنف الفیزیائی، وهو عنف یؤدی إلى تجاوز الحصانة القانونیة والمعاییر الأخلاقیة التی تعمل على حمایة الجماعات القویة أو المهیمنة(Braud,1999,p33-45).

یعتمد مفهوم الاستلاب فی جوهره على جذب الآخرین إلى شرطیات خصوصیة المُستلِب، والعمل على التدریج والتدقیق، فی طمس معالم هویاتهم ومحوها، واحتوائها، بابتلاعها، بآلیات أنتجتها الثقافة الخاصة، ثم إنتاجها وفق مقاییس ذاتیة خاصة، تؤول مع الوقت إلى فسخ المستقبل، وجعله تکرارا للمرکز وتقلیدا له(الحاج، 2011م، ص214)؛ فالاستلاب یسیطر غالباً على العقول ذات المستویات الثقافیة والفکریة المحدودة، وقد تکون غیر محصنة أمام أی اختراق یطغی على قدرتها العقلیة فی التفکیر نظرا لتوافر أهم شروط الاستلاب وهو التسطیح والتهمیش العقلی عند الفرد أو المجتمع، عبر دینامیات العنف الرمزی، والتجرید من مظاهر الثقة بالنفس، وتبنی عملیة تبخیس مستمرة ومتواصلة للذات؛ فالعنف الرمزی وفقاً لهذه الصیغة یأخذ صورة ضغط ثقافی استلابی ناعم لا یمکن للمستلب أن یکتشف أبعاده وملابساته، وهو إزاء هذا الضغط الرمزی للدلالات والمعانی الثقافیة یقف موقف اللامبالاة والاستسلام، بحیث یفقد حصانته أمام غزو ذاته فکرا وثقافة(یوسف، 2008م)، والمعنى السابق یوضح طبیعة العلاقة بین الاستلاب والعنف الرمزی، وتزداد هذه العلاقة إیضاحا بتناول مفهوم العنف الرمزی فی العنصر التالی ومما سبق یمکن تعریف الظاهرة الاستلابیة بانها تجرید الإنسان من صفاته الإنسانیة بحیث تظهر خصائص التبعیة وانعدام الهویة الذاتیة وتتضح خصائص الکراهیة والأنانیة والهمجیة فی تطور نفسی اجتماعی مرکب تجاه الهاویة فی الذات المستلبة، والشکل الآتی یرمز لتطور الظاهرة الاستلابیة: 

 

شکل (1) یوضح تطور الظاهرة الاستلابیة

ثانیا: العنف الرمزی:

یُشتقّ العنف من مادة عنف، حیث یقال عنف به أو علیه أی أخذه بشدّة وقوة، فهو عنیف، والعنف فی لسان العرب هو الخرق بالأمر وقلة الرفق به وعلیه، وأعنف الشیء أی أخذه، والتعنیف هو التقریع واللوم فی السیاق ذاته(ابن منظور، ص304 )، ظهر العنف الرمزی فی کتابات بوردیو المبکرة بدایة من عام 1972 من خلال کتاب إطار نظریة الممارسة، غیر أنه فی کتاب الهیمنة الذکوریة، الذی أصدره فی عام 1990 أسهب فی شرح الجوانب التحلیلیة للمفهوم (Krais, 2006).

وقد شکلت دراسات عدیدة المقدمات الموضوعیة لمفهوم العنف الرمزی، مثل دراسات بودلو واستابلیه (Baudelot&  Establet, 1974) فی کتابهما "المدرسة الرأسمالیة"، وأطروحات إیفان إلیت (Ivan,1971) فی کتابه "مجتمع بلا مدرسة"، وأیضا فی أعمال جورج سنیدیر Snyders,1982) ) فی کتابه "المدرسة والطبقة وصراع الطبقات" کتاب باسیل برنشتاین Brenstein, 1975) ) "اللغة والطبقات الاجتماعیة".

ویراد بالعنف الرمزی استخدام الرموز والدلالات والمعانی للسیطرة على الآخر وفرض الهیمنة علیه، ویأخذ هذا النوع من العنف صورة رمزیة تحقق السیطرة والهیمنة دون اللجوء إلى قوة واضحة مثل: العنف الثقافی، والعنف الأخلاقی، والعنف اللغوی، والعنف السیاسی، والعنف الأیدیولوجی، وأوضح ذلک المفکر الفرنسی Ricoeur أن "العنف یتجه فی مساره، بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، إلى السیطرة على الآخر والهیمنة على مقدرات وجوده"(Ricoeur, 1955).

أما بوردیو Bourdieu مؤسس مفهوم العنف الرمزی فقد عرفه بأنه القدرة على فرض دلالات ومعان معینة بوصفها شرعیة، وإخفاء علاقات القوة التی تمثل الأساس الذی ترتکز علیه هذه القدرة، ولذلک أکد فی کتابه مع باسرون Bassron "إعادة الإنتاج " إن کل سلطة تطال فرض دلالات، على أنها شرعیة وقادرة على أن تواری علاقات القوة التی هی منها بمقام الأساس لقوتها تمثل عنف رمزی (بوردیو، وباسرون، 2007م، ص102). وفی مقام آخر یعرفه بوردیو بأنه أی نفوذ ینجح فی فرض دلالات معینة، وفی فرضها بوصفها دلالات شرعیة، حاجبا علاقات القوة التی تؤصل قوته (بوردیو، 1994م، ص 63).

ثالثا: الدلالات الفلسفیة لمفهوم الظاهرة الاستلابیة:

یتمیز مفهوم الاستلاب بأنه مفهوم غامض ملتبس وفقا لاختلاف السیاق، ولذلک یتطلب دراسة لتحدید أبعاده الدلالیة، وقد أوضح Ricœur أن مفهوم الاستلاب کاد ینحصر فی المجال القانونی للدلالة على انتقال الملکیة الخاصة سواء بالشراء أو بالعطاء، وانتقل إلى التناول الفلسفی ابتداء من نظریة "العقد الاجتماعی" لروسو، وفی توضیح هوبز عن لحظة الانتقال من حالة الطبیعة إلى حالة الثقافة (المدنیة)، تحت السلطة الحاکمة؛ أی بتنازل الفرد عن قسط من حریته؛ حیث إن أساس العقد الاجتماعی هو "الاستلاب"، إذ لولاه لما انعقد العقد، فی حین یقترب مفهوم الاستلاب من التغریب (تعنی حرفیاً، جعله غریباً عن)، عند هیجل Hegel حیث یرى أن الاستلاب نوعً من الانشطار بین الوجود الحسی للإنسان وما یتمثل نفسه مثالاً أعلى انطلاقاً من وعیه الذی ینیره العقل حین یفقد الإنسان وجوده الجوهری، وهنا یطرح هیجل Hegel مفهوم جدید یتحدث عن استلاب الوعی، ویوضح أن حدوثه یتم بشرطین عدم الاعتراف بالذات من الآخرین وانعدام الحریة(هیجل، 1996، ص20)، ویفسر لو بون Le Bon ظاهرة الاستلاب فی تناوله لسیکولوجیة الجماهیر، بأنها من أهم خصائص الجمهور النفسیة؛ من خلال انطماس شخصیة الفرد وانخراطه فی سیل الجمهور، والذی سیترتب علیه تخلیه عن عقله الواعی ومنطقیته حتى یتماهى معهم؛ إذ إنه لیس من الیسیر مدافعة  قوة التیار أو السیر ضده، ویشیر لو بون Le Bon  إلى أن هذه العقلیة اللاواعیة قد تجر إلى تصرفات همجیة ووحشیة أو بدائیة لا تراعی ما وصلت إلیه الإنسانیة من تقدم ورقی أخلاقی، الأمر الذی یعید المجتمع البشری إلى تاریخه الأول فی العداوة والانتقام من نفسه بغیر مرجع أخلاقی أو قانونی(لو بون، 1991م، ص63) ، وهنا یحدث أکثر أثار الاستلاب تدمیرا.

وقد بلور مارکس Marx استعمالًا جدیدًا للمفهوم کالاستلاب الاقتصادی، مؤسسًا معناه على تحلیله لبنیة النظام الرأسمالی، بناء على مفهوم "فائض القیمة"، منتهیًا إلى أن العامل یصنع الأشیاء/السلع، ولکن هذه الأشیاء تصبح هی ذاتها أداة التحکم فیه واستعباده، ویطور لوکاتش Locach بعد ذلک الدلالة المارکسیة للاستلاب لیجعل منه دالا على "التشیؤ (Ricoeur, 1994,p25-27).

وإذا تم الانتقال للفکر العربی یلاحظ أن مفهوم الاستلاب کاد أن ینحصر فی استعماله للدلالة على علاقة المثاقفة بین مجتمعین أو ثقافتین أو حضارتین، لإیضاح خطورة الانسلاخ من الذاتیة الثقافیة والخضوع لتبعیة الآخر کحضارة، وکذلک دراسة آلیات وکیفیات التخلص من الظاهرة الاستلابیة بمفهوم التبعیة الحضاریة فی حین تم تجاهل أحد أهم مفاهیم الظاهرة الاستلابیة وأکثرها تهدیدا للفرد بوصفه ذاتا مستقلة والتی تتجلى عوائقها المتعددة فی الثقافة والمجتمعات العربیة، ومن أبرزها الظاهرة الاستلابیة للشرعیة التاریخیة الناتجة عن تحویل البطولة فی الماضی إلى استبداد فی الحاضر والرغبة فی الدوام والبقاء ونفی وتدمیر أی محاولة لبروز الذوات الجدیدة الباحثة عن الانفکاک والتقدم والتحرر من أشکال الفوضى باسم الماضی والتاریخ(طرابلسی، 2017م).

المبحث الثانی: دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فی الواقع التربوی

للتربیة دورا أساسیا فی صیاغة وبناء وإعادة بناء القیم المجتمعیة بواسطة الإقناع والتراضی، أو بواسطة عنف وإکراه وقسر عندما تعتمد التربیة على تلقین المعلومات عبر السلوکات الذهنیة، واللسانیة والثقافة منتجة التفاوتات الاجتماعیة؛ فتصبح التربیة للخضوع والامتثال، وتصیر المؤسسات التربویة أداة استلابیه بدلا من أن تکون بناءة لمتعلمین مبدعین، ویوضح بوردیو Bourdieu أن التربیة  تکون مصدراً للعنف الرمزی من خلال توظیفها لإعادة إنتاج المجتمع وفق صورة التباین الطبقی الکامنة فیه، وهی تؤدی وظیفتها الطبقیة هذه بدینامیات ذکیة خفیة رمزیة مکتسبة طابع المشروعیة فی الحیاة الاجتماعیة لأنها تتضمن کل أنماط الهیمنة الاجتماعیة والثقافیة، وقد لا یتم إدراک تلک الهیمنة بصورة مباشرة، حیث تبدو کأنها جزء من طبیعة الأشیاء المستقرة، ولکن نتائجها السلبیة ومنها الاستلاب جعلت إدراکها فی تزاید، ویمکن الاستشهاد هنا بإدراک الفجوة الملاحظة بین ما تدعو إلیه الأطر المعیاریة الدولیة المعتمدة من دول العالم وبین قوة إنفاذها، وکذلک الفجوة بین دینامیات السلطة وقواعد الحقوق المدوّنة قانونا؛ وهذا ما یوضح کیف تحبط الظاهرة الاستلابیة للهیمنة الرمزیة للفئات المقتدرة ذات المصلحة إقامة قاعدة القانون والعدالة، ولذلک کان تحدی هذه الظاهرة والتغلب علیها طریقة ضمان حقوق الإنسان العالمیة من خلال تطبیق قاعدة القانون، وکذلک من خلال إعمال المعاییر الاجتماعیة والثقافیة والأخلاقیة(Mander, 1987) ، وخاصة فی الواقع التربوی حیث أنه یشتمل جمیع مکونات الواقع المجتمعی بکل متغیراته ویعکسها ویجسدها، کما أنه یشتمل على أکثر ألیات العنف الرمزی تأثیرا، والشکل الآتی یوضح دینامیات وعوامل الظاهرة الاستلابیة

 

شکل رقم (2) یوضح دینامیات وعوامل الظاهرة الاستلابیة

ویمکن تناول دینامیات وعوامل الظاهرة الاستلابیة داخل المؤسسة التعلیمیة فیما یلی:

أولا: المعلم (الاستلاب الأبوی): یقصد بها الإطار الذی یفرض على المتعلم نوعا من التراجع والتوضیع فی سبیل الحفاظ على العادات والتقالید والنظام مما یؤدی إلى إلغاء الکفاءة والمهارة والانفرادیة استجابة لنوازع هذا النمط على أنها قانون مطلق یجب السیر علیه حتى الفناء، إن هذا المبدأ یقتل النمط المتعالی لدى المتعلم، والرغبة فی اصطناع أحداث الحیاة ومناهجها وفق الإبداع الذاتی والإجراء الفردی الذی یفکر بطریقة مختلفة واستثنائیة تؤهله لبناء واقع معین بفروض جدیدة وطابع مختلف یحترم قدسیة الذات ویکرس الفعل المنسجم مع إرادة الحیاة وجمالیاتها؛ فالمعلم یجمع بین وظائف ثلاث: ضابط وواعظ ومعالج، فهو المسئول عن الضبط الاجتماعی داخل الصف، وهو الذی یحرص على اللوائح والقوانین، ویحرص على أن یلتزم ویلزم الآخرین بها(علی، 1995م، ص 243) کما أوضح فروید Freud مشددا على أهمیة السلطة التی یتمتع به المعلمون: أن المتعلم یرى معلمیه ناضجین وراشدین إلى درجة یصعب بلوغها، مما یجعله یسقط علیهم مشاعر الأبوة(بوردیو، 1994، ص5) ومن ثم، فإن هذه الطبیعة الأبویة التی تضفى على المعلم تمنحه سلطة رمزیة هائلة لممارسة دوره التربوی وفقا لمعطیات الثقافة السائدة والمهیمنة فی الوسط المدرسی، وتصبح هنا الظاهرة الاستلابیة أکثر وضوحا، والبحث الحالی لیس دعوة لرفض مکانة المعلم ولکن المکانة مع أحقیة الوجود للمتعلم وهذ ما سیتم توضیحه فی موضعه.

 

ثانیا: المضمون التعلیمی: یتجلى العنف التربوی الرمزی فی صورته الأولى فی عملیة وضع وصیاغة مادة التعلم، حیث یمثل هذا المضمون انعکاسا للدلالات الرمزیة والأیدولوجیة، وما تستدعیه من إجراءات تعلیمیة وممارسات تربویة ذات معنى ودلالة ممنهجة، وهی ما تؤدی إلى رسوخ انطباعات وقناعات یصعب معها تصور أی شیء آخر یختلف عما تم تعلمه؛ بسبب ما تتسم به من طابع الإلزام والإکراه والضغط الرمزی، ویتضح ذلک بشدة فی المنهج الخفی، والذی یمثل الأهداف الخفیة للتربیة والتعلیم فی المجتمع؛ والتی تنعکس فی الآلیات التلقائیة للحفاظ على ما یسمى بالاستقرار الاجتماعی، والضبط الأخلاقی والهیمنة الأیدیولوجیة فالأوامر والنواهی، وأنماط السلوک والقواعد المنظمة، والإیماءات والإیحاءات، تشکل نموذجا رمزیا ثقافیا للطبقة السائدة، یکره المتعلمین على قبول هذه القیم، فکثیرا مما یتم تعلمه فی المدرسة لا یرتبط جوهریا بالمحتوى المعرفی (المنهج المعلن) بل بتمثل القیم الأیدیولوجیة السائدة وفقا للمنهج الخفی والمستتر المعتمد، مما یؤدی إلى الاستلاب المعنوی والمادی بترسیخ مبدأ اللاتکافؤ(النقیب، 1993م، ص70).

وما سبق یحدث من خلال بث القیم الطبقیة وغرس الطاعة المطلقة فی نفوس المتعلمین والدارسین، بالاعتماد على طرق التلقین فی التدریس والتعلیم بوصفها أکثر الطرق فعالیة، وهذا ما یؤدی إلى قتل إمکانیات العقل والتفکیر، وبناء روح الاستکانة والانصیاع فی نفوس المتعلمین. وهنا لابد من اتخاذ إجراءات تربویة لواجهة ما یمکن أن یغرسه المنهج الخفی من قیم سلبیة تتمثل فی الخضوع وإضعاف روح الإبداع فی نفوس الطلاب، حیث تکون المدرسة أداة لإعادة إنتاج الأمر الواقع بکل سلبیاته واختناقاته لصالح النخبة المهیمنة (النقیب، 1993م، ص83)؛ مؤدیا إلى التمییز التربوی.

 

ثالثا: التمییز التربوی: من أهم دینامیات الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی ما تعانیه التربیة من أنواع التمییز الطبقی والجنسی والجغرافی، ویمثل التمییز الطبقی أخطرها حیث یتضمن التمییز وفقا للوضع الاقتصادی وما یترتب علیه من انتماء لمستویات تعلیمیة مختلفة، ویکون من نتائجه عدة مظاهر استلابیه أهمها: ازدواجیة النظام التعلیمی؛ حیث ینقسم  إلى نظامین متوازیین یختص أحدهما باستقبال الأغلبیة (الطبقة الدنیا) ، والنظام الآخر للأغنیاء فیصبح التعلیم میدانا للتنافس والسباق والانتقاء ویکون التفوق لمن یملک القدرة المالیة والمکانة الاجتماعیة، والتصاق الدونیة بالتعلیم الرسمی، والتحاق خریجیه بأوضاع مهنیة متردیة، ویکون التمییز الجنسی للذکور على حساب الإناث نظرا للعنف الرمزی الممارس من قبل الأفراد أنفسهم على أنفسهم، ویتمثل ذلک فی انتشار قناعات أن الذکور أحق بالتعلیم من الإناث وتکون هذه القناعات عند الأم بدرجة مساویة للأب؛ فتکون الأنثى ضد نفسها. أما التمییز التربوی الجغرافی من خلال الإخفاق فی مد شبکة المؤسسات التربویة لأبناء المجتمع فی کامل المساحة الجغرافیة، ونشر الوعی بأهمیة التعلیم.

رابعا: التسلیع التربوی: المقصود بالتسلیع هنا هو عملیة تؤدی إلى تشیؤ التربیة بعد تشیؤ الإنسانومن أهم مظاهره اختزال دور المؤسَّسة التربویَّة فی عملیة التعلیم على المعارف الخاصة بالإعداد لسوق العمل لا غیر، ومن شأن ذلک أن یهمّش جانباً کبیراً من مهامها، مثل التفاعل والتشارک والتعاون والتضامن والتسامح، وقد انتبهت عدد من المجتمعات لخطورة هذا التوجه، وبدأت فی اتخاذ خطوات علمیة تعاونیة لمواجهتها لا سیما فی سیاق ظهور جهات فاعلة تعمل على خصخصة التعلیم وتزاید استغلاله التجاری(معهد الفرنکوفونیة للتعلیم والتکوین، 2017م) .

وما سبق یمثل تنبیها للرؤیة الاختزالیَّة لدور التربیة فی تکوین ید عاملة واکتفاءها بهذا الدور، مما ینتج عنها تأثیرا سلبیاً على مهمة أساسیة لمؤسّسة التربیة، وهی إحیاء الإنسانیَّة فی الإنسان، التی تعنی أنَّها تتحمَّل مسؤولیَّة تحقیق التواصل بین الناس ضمن دائرة رفض العنف(وطفة، 2005، ص8) فإذا کان مناخ المدرسة منکرا لکل مبادرة وتصرّف إرادیّ فلا غرابة أن تنشأ الأجیال مسکونة بهاجس الشکّ والحذر والسلبیّة(عطیة، 2017م)، والانفجار عند إتاحة الفرصة وبالتالی النکوص للبدائیة والابتعاد عن التحضر والإنسانیة، وهذا ما یستدعی بشدة الترکیز على جوانب وأبعاد المضمون الإنسانی للتربیة.

المبحث الثالث: الأسس الفلسفیة والإبستیمولوجیة للأبعاد الإنسانیة للتربیة.

عند الحدیث عن المضمون الإنسانی للتربیة یجب الإشارة إلى الفرق العمیق بین التربیة  بوصفها برامج تنظر للمتعلمین کغایات، والتربیة بوصفها برامج للمتعلمین کوسیلة للمحافظة على نظم ثابتة أو جامدة من الفکر والحیاة؛ تتمیز التربیة بوصفها الأول باحترام الإنسان باعتباره غایة وقیمة علیا، ولذلک تعارض جمیع النظم التی تتناول الأفراد بالتدریب والإعداد من أجل القیام بأدوار مقررة ومحددة مسبقاً فی ضوء محددات سیاسیة أو اجتماعیة، ولذلک یعمل المضمون الإنسانی وفقا للمنظور الأول على تنمیة قدرته على التفکیر وتعزیز شعور الهویة والأصالة، بالعمل على تزکیة القیم المرجعیة لتشکل مصدرا للسلوک والفعل لدیه ولیس رد الفعل، وهذا ما یؤکد وحدة الشخصیة وتماسکها، بکون الإنسان کائن اجتماعی متکیف؛ لکنه ینزع إلى أن یکتشف نفسه بطریقة ممیزة غالبا ما تکون رمزیة، وتستند الأبعاد الإنسانیة لمواجهة الظاهرة الاستلابیة إلى: أسس فلسفیة متمثلة فی فلسفات الوعی الإنسانی، وأسس إبستمولوجیة متمثلة فی نظریات کیفیة حدوث التعلم، والشکل الآتی یوجز أسس وأبعاد التربیة الإنسانیة  

 

شکل رقم (3) یوضح أسس وأبعاد التربیة الإنسانیة


أولا: الأسس الفلسفیة:

         تناولت العدید من الفلسفات إبراز الماهیة الإنسانیة باعتبارها الوجود الحقیقی، بدایة بفلسفات الشرق فی الحضارات القدیمة: المصریة والبابلیة، والهندیة، والصینیة، وصولا لبلورة الفکر الفلسفی عند الیونان، هذه الفلسفات رکزت فی مجملها على جوهر الوجود الإنسانی وارتباط هذا الوجود بالسیطرة على النفس، واکتشاف الإنسان لقدراته وصفاته الأصلیة(النشار، 2013م، بریستید، 2000م) وهی ما یمکن أن یطلق علیها فلسفة الکیف الإنسانی کما جاء فی طرح کونفوشیوس وآرائه عن الإنسان المثالی وأفلاطون قدیمًا، وصولا ل شوبنهور Schopenhauer وإنسانه العبقری، وفلاسفة التطور وإیمانهم البقاء للأصلح، ثم نیتشه Nietzsche وآرائه فی الإنسان الأعلى، هذه الفکرة توجد فی الفلسفات المعاصرة أیضا عند عدد من الفلاسفة، ولکنهم أکدوا أیضا أن الإنسان غیر أحادی الوجود، فهنالک وجود لأی إنسان، وهنالک وجود خاص لا یرقى للنزول فیه إلا إنسان آثر أن یتمیز، وهو ما یعبر عن الوجود الصحیح بحسب برجسون Bregson والأصیل بحسب هیدجر Hedger ووجود الانعزال والتفرد الخاص باللامنتمی بحسب ولسن Wilson ، أما التمیز فلا یحظى به إلا من استطاع التخلص من المعوقات والتشویش بنوع إنسانی خاص ذی قدرات ممیزة أکدوا أهمیة بحث الإنسان عن ذاته وجوهره والسعی بهدف التمیز الموجود بالضرورة والطبیعة لدى کل إنسان، والبحث الحالی یرکز على بعض الأفکار الفلسفیة عند فلاسفة الإنسانیة نظرا لارتباطها بکیفیات الوجود أو سلبه والعوامل المؤدیة لذلک:

1-   التطور الخالق عند هنری برجسون: Bregson  قصد Bregson من التطور الخالق، أن الوجود الواعی هو القادر على أن یخلق نفسه باستمرار؛ إذ قسم الوجود إلى نوعین، الأول هو الوجود الحق حیث تشعر الذات أنها قائمة بذاتها، بعیدة عن ضغط المجتمع، والثانی الوجود الزائف حیث تکون الذات مدفوعة بالأخذ بأحکام الناس وآرائهم الشائعة، عندها تفقد الذات حریتها(برجسون، 2015م، برجسون 1981م)، وتمیل بالعادة إلى الآلیةوأن تصیر الأفعال لاشعوریة(برجسون، 1971، ص66)، فکلما امتلکت الذات شعورا کلما اتصفت بالحیاة، وبالتالی یمتلک الإنسان حرکة وحریة، واختیار؛ فالاختیار ینعدم عندما تصبح الأعمال آلیة وهکذا أکد Bregson بأننا نکون نحن، عندما نکون أحرارًا ولن نکون کذلک ما لم تصدر أعمالنا عن شخصیتنا بکاملها، وأن نحیا من أجل أنفسنا لا من أجل العالم الخارجی؛ لذا على ذاتنا أن تخلق ذاتها باستمرار، وعلیها أن توجه أفعالنا توجهًا جدیدًا بأن تخلق الجدید(برجسون، 1971، ص ص 28-29).

2-   حقیقة الوجود عند مارتن هیدجر Hedgerالوجود عند مارتن هیدجر Hedger یعنی - کن من أنت- فالإنسان عندما قذف به فی العالم، فصار علیه أن یوجد، ووجوده یکون حسب إمکانیاته، یکون ما یمکنه أن یکون؛ فالإنسان مشروع لم یتحقق بعد. وتحققه یکون من خلال انفتاح الوجود الإنسانی على ذاته، على ضوء إمکانیاته الأصلیة، فیفهم وجوده الخاص ویکشف له الوجود عن معناه کما تکشف له سائر الموجودات المحتجبة(مصطفى، 2012، ص50) ، کما أن تحققه لا یمکن من خلال الاستسلام للأوهام أو العیش فی الأحلام، فلابد فی کل مشروع أصممه أن أحسب حساب الاستعداد والقدرة(هیدجر، 1977، ص77) ؛ فالوجود الحقیقی بحاجة لأمرین مهمین: الأول، الحریة بمعنى الانفتاح الادراکی الواعی على الذات لیکشف عن نفسه والانفتاح على الموجودات الأخرى لکی لا یفرض علیه ما یدرکه، فالإنسان غیر الحُر هو إنسان منغلق عن نفسه، عاجز عن معرفتها وعن معرفة غیره، وبالتالی هو لا یملک القدرة على الظهور والمواجهة، أی أنه لا یوجد على الإطلاق؛ أما الأمر الثانی یتعلق بالأول، وهو التخلص من کل المعوقات التی قد توصله إلى الاحتجاب، وکیفیة التخلص من کل ما ینسی الإنسان کینونته؛ هذه المعوقات، یطلق علیها هیدجر اسم – السقوط –والإنسان المعوق یطلق علیه اسم – الإنسان المجهول – أما الوجود الذی تغزوه کل تلک المعوقات فیطلق علیه – الوجود غیر الأصیل – ذلک أن کل تلک المسمیات تشیر إلى أن هیدجر Hedger کان قد وجه الانتقاد الحاد إلى سقوط الإنسان فی هذه الحیاة الیومیة المبتذلة وفقده الکینونة التی یحب أن یکون علیها وأن یوجد وجودًا أصیلًا(هیدجر، 1977، ص155).

فالوجود بحسبه هو إمکان، وبالتالی "على الإنسان أن یحققه بإرادته الحرة (أی الفکر الذاتی المنظم طبقا لما تراه الذات)؛ لإن استسلام الإنسان لقواعد الآخرین هو ما یسبب الإخفاق؛ نظرا للتراخی والنسیان والضیاع وسط الناس، وهذا الاستسلام من أهم معوقات الوجود الحقیقی؛ فالضیاع وسط الناس والذی أطلق علیه هیدجر الذوبان فی - الهم – أو الآخرین، أو الجمهور، أو الرأی العام الذی یملی علیه إمکانیاته وأفعاله؛ فیمارس الإنسان عادات وأفعال لمجرد أن الناس تفعلها، ویتوهم أنها الحیاة، فیحدث الاضمحلال، ویفتقد القدرة على الاختلاف، والنمط التعبیری الممیز؛ فیصبح الأنا – هو – الآخر، والآخر هو الأنا(هیدجر، 2012م، ص253) ، مثل هذه الکینونة تؤدی إلى تخلى الإنسان عن التزامه الذاتی وعن مسؤولیاته.

 وقد أوضح هیدجر أن الفضول السلبی من معوقات الوجود الحقیقی، ویعنی هذا الفضول أن یکون الإنسان تحت إمرة القیل والقال والانشغال بالنظر لمجریات الحیاة لیس من أجل الفهم والمشارکة، ولکن من أجل النظر فحسب(هیدجر، 2012م، ص ص 330-331) ، ویوضح هیدجر القلق المتزاید من هذه المعوقات التی قد تعوق الإنسان فی  تخطیطه لوجوده الذاتی، لأن النظر والفکر بطریقة سالبة من أکثر عوامل إرباک المرء وإفقاده لقدراته الممیزة (هیدجر، 2012م، ص287).

 کما أکد هیدجر أن تعکر المزاج المستمر والشعور بالرتابة والضجر تعد من أکثر المعوقات التی تجعل الإنسان أعمى عن ذاته، والعالم المحیط، فی مقابل ذلک یمکن للمزاج الحسن أن یخلص الذات من العبء ویمکنها من الظهور الجلی للکینونة (هیدجر، 2012م، ص266)

3-   الوعی السامی عند کولن ولسن Walsen: هو مؤسس الوجودیة الجدیدة وقد صرح بأن الإنسان یتمیز بوعی سام، أی أنه یستطیع أن یرى إلى بعد أکبر، وهذه الرؤیة تعد المیزة الأهم للإنسان، وهی تتطلب جهد کبیر لتحقیقها؛ خاصة للسیطرة على الجانب الغریزی الذی یستحوذ على الجانب الأکبر فی السواد الأکبر من البشر؛ فقلیلون هم من یهتمون بتطویر قدراتهم الفریدة المتمیزة (ولسن،1982م، ص92).

ویرى ولسن Walsen أن الوعی السامی بالذات یمکن أن یساهم فی تطویر القدرات الإنسانیة، حیث یولد هذا الوعی الإیمان بهذه القدرات والحماس لها وللمعانی التی قد تکون أکثر دقة وتجریدا من أن یسیطر الإنسان علیها بعلومه المادیة؛ ولذلک ینبه إلى الفرق بین أننا لا نصل لهذه القدرات وبین وجودها بالفعل (ولسن،1982م، ص،ص 18،19)، ویجمل ولسن معوقات وصول الإنسان لقواه الخفیة أو للمعانی فی التشویش الذی یؤدی  لانقباض العقل الإنسانی، (ولسن،1982م، ص41) وهذا التشویش یحدث بفعل العوامل الآتیة (ولسن،1982م، ص147):

  • سقوط ملکات الإنسان فریسة للإهمال وعدم الاستخدام.
  • إهدار الطاقة الحیویة دون هدف کالإفراط فی الحساسیة أو الخوف الزائد.
  • تخدر اللاوعی، ویتمثل فی الانفصال عن الاحوال اللاواعیة، والاعتراف فقط بالوعی "کلما زادت معرفة الإنسان بکیفیة تسلیط الضوء على أعماقه البعیدة، کلما زادت قدرته على فهم قوته الفعلیة.
  • المیل إلى الهزیمة، الذی هو فی الأساس حالة عقلیة یفرضها الجهل وتؤدی إلى الخوف ثم یتمکن الإنسان من تخطی ذلک تماما عند تمکنه من الرؤیة بوضوح.
  • الضجر، ویرى أن سببه انعدام الهدف، مما یجعل الإنسان غیر مدرک إلا لأکثر مستویات هویته سطحیة وقربًا، ویرى أن تلک الحالة أکثر خطرًا من تخدیر العقل؛ لأن الضجر وحالة الاختناق یولد الرغبة فی إحداث التغییر وهذا التغییر غیر المدرک وغیر المخطط یولد أزمات، کما أنه مع زیادة حدته یولد الرغبة فی التدمیر، وربما یفسر ذلک نسب حدوث الجریمة فی العالم.
  • الوقوع فی أسر القیم الشخصیة وقیم الطفولة، ویرى أن على الإنسان أن یتخلص من هذا الأسر وأن یرکز العقل على قیم أکبر وأعظم من الذات الطفولیة، والخروج من الوعی السطحی إلى الوعی الأعمق داخلیا وخارجیا بحیث یعلم الفرد ما الذی یجعله یفعل أو یقول ای شیء.
  • التشتت، والانغماس فی الهم أو الحیاة الیومیة، بحسب هیدجر، یقول ولسن "الانغماس" فی الأشیاء والهموم هو نصیبنا المشترک وقدرنا. أما ما یجعلنا بشرًا بصورة فریدة فهو لحظات عدم الانغماس الغریبة.

4-   الأنا والأنت عند فیورباخ اختلف فیورباخ عن الفلاسفة السابقین، وهو یعد حلقة الوصل بین الدور الذی کان یعزى الى الفلسفة کفعل تأمل وتفکیر نظری، وبین دورها الجدید کفعل عملی وأداة للتغییر، ویحدد مبادئ فلسفة المستقبل فی خطابه الفلسفی الأنثروبولوجی، من خلال التعرف أولا على الإنسان وتأکید وجوده فی وعیه ووعی الآخرین(عطیة، 2008،ص4) موضحا قوة الفکر، والرغبة فی المعرفة باعتبارها القوة لا یمکن مقاومتها فتکون القوة المنتصرة قوة شخصیتک، قدرة الإرادة وقوة الأخلاقیات التی تعطی القدرة على التحکم فی النفس (عطیة، 2008،ص133).

 و یعطی فیورباخ تحدیدا ذا مغزى لطبیعة الإنسان التی تتمثل فی ثلاث قوى أساسیة هی: العقل والإرادة والوجدان: "قوة الفکر، قوة الإرادة، وقوة العاطفة، تنتمی جمیعا إلى الإنسان الکامل، الأول هی نور العقل، والثانیة طاقة الشخصیة، الثالثة هی الحب، وهذه القوى هی کمالات الوجود الإنسانی، بل الأکثر من ذلک فهی الکمال المطلق للوجود، فالإرادة والحب والتفکیر تمثل أسمى القدرات؛ فالإنسان وجد لیفکر ویحب ویرید فنحن نفکر من أجل التفکیر لکی نکون أحرارا، فالوجود هو وجود من أجل التفکیر والحب والإرادة وهذا وحده هو الحقیقی والکامل والإلهی الذی یوجد من اجل ذاته، فالثالوث المقدس فی الإنسان الذی یسمو فوق الإنسان الفردی یمثل وحده العقل والحب والإرادة (عطیة، 2008،ص133).

ووفقا لنظرته تصبح معرفة الإنسان منعزلا عن الآخر وعن غیریة الآخر تغدو مستحیلة؛ فالانتماء المشترک للإنسان والآخر أساس انکشاف الواقعة الإنسانیة بما هی اعتراف وتعرف، أی الإقرار بکینونة الآخر ومعرفته بذاک الآخر الذی یسهم فی بناء الذات "إن معرفتی بنوعی تجعلنی أقر بوجود کائن آخر مختلف عنى ومتکامل معی فی آن معا، وبالتالی یکون المبدأ الحقیقی للوجود والفکر هو اتحاد الأنا والأنت(أرفون، 1981، ص31) ؛ وهنا تتضح المقاربة الفلسفیة للفعل التربوی، التی تتمثّل فی التحدّی الواعی للواقع اللاإنسانی لبناء استراتیجیة الشأن التربوی المراعی لأبعاد المضمون الإنسانی للتربیة، وهذا الطرح یستدعی تناول الجانب المعرفی النظری(الأبستمولوجی) لاستکمال الرؤیة وإیضاح المقاربة العلمیة التی لا تنفصل عن المقاربة الفلسفیة.

ثانیا: الأسس الأبستمولوجیة: من منطلق تکاملالمعرفة الإنسانیة بین مختلف التخصصات وتداخل العملیات المعرفیة الاجتماعیة والنفسیة والفسیولوجیة والعصبیة وغیرها من مجالات معرفیة تمثل فی مجملها أساس السلوک الإنسانی المتفرد الحر غیر المستلب، ویستعرض البحث الحالی النظریات ذات الصلة.

1-   النظریة الإنسانیة: تعنى هذه النظریة بشکل أکبر بتأثیر الجوانب العاطفیة والوجدانیة على التعلم، أو بطریقة أخرى: "لجعل التعلم أکثر إنسانیة واحتراماً لقیمة المتعلم واستعداداته وإمکاناته، ویشیر میلر إلى أن البرامج الإنسانیة حاولت أن تربط بین المنهج والمعنى الشخصی، فرکزت على فکرتین أساسیتین: الأولى، النهوض بمفهوم الذات عند الطالب.  ویشیر التربویون الإنسانیون فی هذا الجانب إلى البحوث التی تربط بین مفهوم الذات الإیجابی وبین الأداء المدرسی، کما أنهم صمموا البرامج التی تسهل نمو تصور الذات الإیجابی لدى الطلاب (میللر، 1986م)،  والفکرة الرئیسة الأخرى هی تنمیة مهارات الاتصال بالآخرین، وقد رکزت أسالیب مثل أسلوب تدریب کفاءة المدرس على تحسین مهارات الاتصال لدیه.  ویعد "ابراهام ما سلو" وکارل روجرز أکثر الإنسانیین شهرة فی هذا الاتجاه؛ فقد أثر ما سلو على التربیة الإنسانیة بمفهومه الخاص عن "تحقیق الذات"، کما أن أعماله التی تناولت هذا المفهوم کانت جزءاً من الدعم والتأیید للبرامج الإنسانیة التی تتناول مفهوم الذات.  أما عالم النفس الإنسانی الآخر "روجرز" فقد أثر على الاتجاه نحو مهارات الاتصال بالآخرین وعلى النمو الجماعی ومن الافتراضات التی یقوم علیها الاتجاه الإنسانی فی تفسیر مواقف التعلم والتدریس ما یلی (قطامی، 1998م، ص39):

أ‌-       یولد کل فرد بطبیعة أساسیة داخلیة، تتشکل هذه الطبیعة الداخلیة بالخبرات والأفکار اللاشعوریة والمشاعر، ولکنها لیست محددة بهذه القوى.  

ب‌-     إن الأفراد لدیهم القدرة على تبنی خیارات فی نموهم وتطورهم.  

ت‌-     تتغیر الذات وتنمو نتیجة النضج والتعلم، وتنمو من خلال عملیات التفاعل بین الفرد والبیئة.  

ث‌-     ینبغی أن یتم الکشف عن الجوانب الإنسانیة بنفس القدر الذی یتم به الکشف عن الجوانب المعرفیة.   

ج‌-     أن یبذل المعلم جهده لکی یظهر إنسانیته فی العلاقات والممارسات والنشاطات الصفیة، الثقة، الإیجابیة والقبول، والتعاطف" فیصف قدرة المدرس على أن یفهم مدرکات الطالب

2- نظریة التعلم المتناغم: وترى هذه النظریة أن کل متعلم یمثل حالة فریدة، ینبغی أن تعطى الفرصة کاملة لبناء المعانی الخاصة بخبراتها، مع الأخذ فی الاعتبار تأثیر العوامل الشخصیة وبیئة التعلم والمکونات الوجدانیة فی التعلم، ولذلک نشأت هذه النظریة اعتمادا على مجموعة واسعة من التخصصات بما فی ذلک علم النفس المعرفی والاجتماع والفلسفة والتعلیم والتکنولوجیا والریاضة وعلم النفس والفیزیاء فی ارتباطها بالنتائج التی توصل إلیها علم الأعصاب، وتقوم هذه النظریة على عدد من المبادئ، یمکن إیضاحها فیما یلی(السلطی، 2009م، ص45) :

أ‌-       البحث عن المعنى عملیة غریزیة وفطریة: ویعنی أن الحاجة إلى فهم معنى الأمور هی من سمات کل إنسان فالإنسان یولد ودماغه مجهز للبحث عن معنى لکل ما یمر به من خبرات، فالمتعلم لدیه القدرة على فهم أکثر فعالیة عندما یرتبط التعلم بحاجاته ویکون له معنى لدیهم.

ب‌-     العاطفة عامل حاسم وضروری فی التعلم:ویعنی أن المشاعر تشارک فی الأفکار والقرارات وفی الاستجابة لها ومما یعزز التعلم الخبرات الوجدانیة الإیجابیة؛ حیث لا یمکن فصل التفکیر عن العاطفة والانفعالات؛ فالجسم والدماغ بما فیه من انفعالات یشکلان وحدة واحدة متألقة فکل خبرة ما تکون مترافقة بانفعال ومن ثم یمکن تحسین قدرات التعلم على نحو أکثر فعالیة عندما یکون التعلم متماشیا مع مشاعر المتعلم وبقدر تأثرها الإیجابی یکون تأثیر عملیة التعلم أعمق.

ت‌-     یشترک الوعی واللاوعی معا فی عملیة التعلم: یوضح هذا المبدأ أن بعض جوانب التعلم تتطلب الوعی خاصة عند معالجة مشکلة تحتاج إلى تحلیل أو حل، وبعض الجوانب الأخرى تعتمد على اللاوعی؛ مثل الأفکار الإبداعیة التی قد تأتی فی بعض الأحیان بعد معالجة واعیة من العمل الدماغ(الفکر)، ووراء کل مستوى فکری من هذه المستویات الفکریة تمکن المتعلمین من قدرات ما وراء المعرفة، وتتبلور هذه القدرات فی مراقبة أنفسهم أثناء عمل دماغهم  لوظائفه التنفیذیة ومعرفة نقاط القوة والضعف الخاصة بهم وامتلاک القدرة على تولی المسؤولیة عن کیفیة التعلم. وبالتالی یمکن لجمیع الطلبة الفهم على نحو أکثر فعالیة عندما یعطون وقتًا للتفکیر فی التجارب العملیة التی یعیشونها ویقومون بها.

ث‌-     یتعزز التعلم بواسطة التحفیز والتحدی، ویثبط بالخوف والتهدید: تظهر العدید من البحوث فی تخصصات مختلفة أن الفعالیة العقلیة تعتمد على العاطفة ویمکن إعاقة عمل الدماغ بسبب المخاوف المرتبطة بالعجز والمشاعر السلبیة وهذا هو السبب فی أن الحالة المثلى للتعلم هی الانتباه المریح والتحفیز ودرجة مناسبة من التحدی مع انخفاض التهدید والتخویف فی البیئة الصفیة فإذا لم یشر الانطباع الأول للخبرات بأن هناک شیئًا مخیفًا فإن المعلومات الأولیة تتوجه إلى الذاکرة الحسیة حیث یتم إدراکها وتتکون استجابات وانفعالات هادئة أما إذا حدث العکس وکان هناک ما یخیف الفرد فلا ترسل المعلومات إلى الذاکرة الحسیة ولا یتم إدراکها أو فهمها فالتهدید أو الضغوط العالیة تضعف التعلم وقد تقتل خلایا الدماغ، ومنه فیمکن لجمیع الطلبة الفهم على نحو أکثر فعالیة فی بیئة داعمة وفیها قدر من التحدی

ج‌-     یعتبر کل إنسان حالة فریدة من نوعه على الرغم من أن جمیع البشر لدیهم نفس التشریح الفسیولوجی فإنهم مختلفون، فلکل إنسان مخططات جینیة وبرمجیة وراثیة فریدة من نوعها، کما لدیه خبرات وتجارب حیاتیة مختلفة مع الآخرین، ویضاف إلى کل هذا التعقید مجموعة واسعة من الاختلافات الاجتماعیة والعرقیة والثقافیة والبیئیة والاقتصادیة.

ح‌-     التعلم عملیة تطوریة وبنائیة: جمیع البشر ینمون ویتطورون ولکن نادرًا ما یتم ذلک بالطریقة نفسها أو بالمعدل نفسه وهناک مراحل لنمو الدماغ وتشکیل الهویة وکلها أمور تؤثر على الفهم ونمو المهارات إن الدماغ بترکیبه المعقد مرن بشکل کبیر ویتغیر باستمرار بوساطة تجارب وخبرات الفرد الجدیدة وهذه دورة متواصلة فی جمیع مراحل الحیاة وللأسف فإن تنظیم الصف التقلیدی لا یتعامل على نحو کاف مع حقائق النمو العقلی والعاطفی للطلبة. ولهذا یمکن لجمیع الطلبة الفهم على نحو أکثر فعالیة إذا تمت مراعاة الفروق الفردیة فی النضج والنمو والتعلم.

3-             النظریة البنائیة: تعد النظریة البنائیة والمعرفیة من أهم المذاهب الفکریة التی ظهرت فی العصر الحدیث، حیث اعتبرت البنائیة أن من یبنی المعرفة هو الأعرف بها، والمتعلمین من وجهة نظر البنائیة ینبغی أن یعملوا بجد ونشاط ، ویدیرون خبراتهم وفهمهم للموقف، لکی یتمکنوا من إعادة تشکیل معارفهم ویتمکنوا من تفسیر النتائج التی یتوصلون إلیها، کما تشدد على دور المتعلم فی بناء المعرفة وتشکلها، وترى أن التعلم عملیة دینامیکیة تکیفیة تتفاعل فیها الخبرة، أو المعرفة الجدیدة مع المعرفة السابقة فی ذهن المتعلم، فتعدل وتستکمل الخبرة السابقة بالجدیدة فی ظل تفاعل شخصی واجتماعی یؤدیه المتعلم فی بیئة التعلم و هی تنفرد عن النظریة المعرفیة فی تفسیرها لبناء المعرفة عند المتعلم و آلیة تکوین هذه المعرفة(علی، 2015م، ص246) ، وفی هذا الإطار تقوم البنائیة على مجموعة من المبادئ هی(علی، 2015م، ص256):

أ‌-       البناء الذاتی للمعنى:أی أن المعنى یتشکل لدى المتعلم بفعل تفاعله عن طریق حواسه مع العالم الخارجی، کذلک تتأثر المفاهیم التی تتکون فی عقل المتعلم بالخبرات السابقة، فالتعلم الجدید یتطلب تزوید المتعلم بما یمکنه من ربط الخبرات الجدیدة بالخبرات السابقة، بطریقة توصل إلى بناء المعنى السلیم.

ب‌-     العملیة النفسیة لتشکل المعنى:عملیة تشکل المعانی عند المتعلم عملیة نفسیة نشطة، تتطلب جهدا عقلیا، على اعتبار أن الفرد یشعر بالراحة لبقاء البناء المعرفی لدیه متزنا، فإذا جاءت الخبرة الجدیدة لا تتوافق مع توقعاته التی بناها فی ضوء ما لدیه، فإنه یقع فی الحیرة، وتعتریه دوامة تفکیر لإعادة الاتزان، فینشط عقله للبحث عما یعید توازنه.

ت‌-     مقاومة البناء المعرفی للتغییر:البنى المعرفیة المتکونة لدى المتعلم تقاوم التغییر، حیث یستقر فی ذهنه أن هذه البنى صحیحة، لأنها تقدم له تفسیرات تبدو مقنعة له، وعن طریق الکثیر من الأنشطة والتجارب یظهر الصواب أو الخطأ من وراء تشبثه بالبنى المعرفیة المتکونة.

ث‌-     المعرفة السابقة للمتعلم:المعرفة السابقة شرط أساسی لبناء التعلم، لیکون ذا معنى، فهو تفاعل بین المعانی الجدیدة والسابقة.

ج‌-     التعلم یحتاج إلى وقت: التعلم ذا المعنى یتطلب التشدید على أفکار معینة واستخدامها فی مواقف جدیدة لأنه لا یحدث بشکل آنی وإنما یحتاج إلى وقت.

4-             النظریة المعرفیة: ویفسر التعلم فی ضوء النظریة المعرفیة بأنه تغیر فی المعرفة عن طریق عملیات التفکیر واستراتیجیاته وتطور البنى المعرفیة التی تزود المتعلم برکائز فهم أساسیة لعملیة التعلم والتی ترتکز على مبدأ التفرد العقلی، وقد اقترن ظهور نظریة معالجة المعلومات بکل من إسهامات واینر وشانون.

 والتعلم من وجهة نظریة معالجة المعلومات یتکون من عدة عملیات داخلیة؛ فالتفکیر والنشاط الذهنی حقائق أساسیة لوجود الإنسان، یعبر هذا النشاط عن العملیات العقلیة المعرفیة التی تتضمن الانتباه والإدراک، ومن ثم الاحتفاظ بالمعلومات، نشاط فعال لعملیات داخلیة معقدة تطوریة تراکمیة عبر مراحل النمو المختلفة (ریغی، 2016م، ص6).   ویهتم هذا النموذج بتفسیر ثلاث عملیات تتمثل فی: عملیة استقبال المعلومات أو مدخلات التعلم وعملیة معالجة المعلومات وتتمثل فی (التحویل، والتمثیل، والتخزین للمعلومات)، عملیة استرجاع المعلومات وتتمثل فی التذکر، والنسیان، وانتقال أثر التعلم، وتقوم عملیة التعلم وفقا لهذه النظریة على عدد من الفرضیات هی:

أ‌-       الکائن البشری نشط، وفعال فی أثناء عملیة التعلم، فهو یبحث عن المعرفة ولا ینتظر حتى تأتی هذه المعرفة إلیه، ویقوم بمعالجتها مستفیدا من الخبرات السابقة.

ب‌-     إن أداة المعرفة هی العقل، الذی یهیأ لمعالجة العملیات الذهنیة وهی: الانتباه والإدراک، والتفکیر والاستبصار، والترمیز والتنظیم، والتصنیف والتذویب والشخصنة والإدماج، والتکامل، والتخزین، والتذکر، والاسترجاع، والتعرف. 

ت‌-     لکل متعلم أسلوبه وسرعته فی إعادة أبنیته المعرفیة وتنظیمها، فالتعلم عملیة تطویر التفکیر.   

ث‌-     عملیة معالجة المعلومات تتم عبر مراحل، وتتضمن الانتباه للمعلومات، وترمیزها ثم تحویلها إلى تمثیلات عقلیة، وتخزن فی الذاکرة بشکل یسهل استرجاعها.

ج‌-     تتطور البنى المعرفیة وتزداد بالتفاعل مع المواقف؛ فعملیة المعالجة تعتمد على الانتباه، والإدراک، وبالتحدید الانتباه الانتقائی (عبد الرحیم، 2012م، ص229).

وبعد استعراض کل من الأساس الفلسفی والأساس الأبستمولوجی، یمکن التأکید على أن وجود الإنسان فی وسط ما فإنه یتمثله على نحو رمزی؛ فالمکان والزمان، والعلاقات والأشیاء ومتغیرات الوجود تؤثر فی وعی الإنسان، وفی منظومة عقله الباطن على نحو رمزی، وتتحول إلى طاقة برمجة داخلیة، تربط سلوک الإنسان وتسمه بطابع من الحتمیة الرمزیة(regarde,1978).


المبحث الرابع: الأبعاد الإنسانیة للتربیة وأهدافها وفعالیاتها لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی:

  أولا: الأبعاد الإنسانیة للتربیة: تتمثل الأبعاد الإنسانیة للتربیة وفقا لنتائج تحلیل الأسس الفلسفیة والأبستمولوجیة، فیما یلی:

1-   البعد الکینونی (التمیز): إن الکینونة هی ما به تتحقق إنسانیة الإنسان، ومقومات الإنسانیة لا یمکن قیاسها، وهذا ما یبرر صعوبة تحدید الکینونة؛ لکن شروطها التی تدل على تحققها هی الاستقلالیة والحریة وحضور العقل النقدی، وهذه هی صفات الشخصیة الإیجابیة والنشیطة التی تسعى تحقیق ذاتها وإنسانیتها. ومما یزید تعقید تحدید حقیقة الکینونة، هو أن الدوافع الحقیقیة للسلوک هی التی تشکل الکینونة الحقیقیة للإنسان، وفی نمط الکینونة تظهر الفاعلیة الحقیقیة للإنسان التی لا یکون معها سلبیا أو مغتربا، بل نجده نزّاعا نحو البذل والعطاء والتعاون والتضحیة، من أجل تحقیق الاندماج والتوحّد مع أعضاء المجتمع قصد التغلب على العزلة (کرومی، 2017م، ص7).

  یرکز البعد الکینونی على تحقیق ماهیة الإنسان والاعتراف به ککائن إنسانی مزود بکفاءة وکرامة، وهذا ما ذهب إلیه فوکو یاما Fuku Yama متفقا مع هیغل Hegel فی أن ماهیة الصراع الإنسانی تتمثل فی الصراع من أجل الاعتراف بالذات، واعتبار الحقوق الإنسانیة الحریة والکرامة غایة فی حد ذاتها، لأن ما یرضی الکائنات الإنسانیة کلیا لیست الرفاهیة المادیة بقدر ما هو الاعتراف بمقامهم وحریاتهم وکرامتهم(فوکو یاما، 1993م، ص28) لکی یکون الإنسان معروفا فی حقل مجتمعی ما، فلابد أن یتمیز عن الآخرین إما بالاختلاف عنهم، وإما بالانزیاح عنهم ثقافیا واقتصادیا ولغویا ورمزیا واجتماعیا. بمعنى أن هناک ثنائیة التوافق والتمیز. ومن ثم، فالاهتمام بالموضة، بشکل هستیری، دلیل على الرغبة فی التمیز ثقافیا واجتماعیا ورمزیا، ودلیل على تفرد الأسلوب الشخصی (سکوت، 2013م، ص42).

ومن ثم یکون على التربیة تجاوز محاولات خلق التنافس المحفز للقیم المادیة فقط بین الأفراد؛ حیث أن هذه المحاولات تجعل من الآخر مصدر الضعف والهشاشة، ومن الأنا منبع القوة والرعب والقسوة، وکذلک تجاوز مفهوم المسؤولیة باعتبارها إقرارا لمبدأ التفاوت القیمی بین الناس بالمعنى الأخلاقی والاجتماعی؛ والتی تجعل الآخر ینتظر ممارسة الأنا(صاحب المسؤولیة) لمسؤولیته حتى یتحقق وجوده المشروط، وینتج عن ذلک روابط جدیدة بین الأفراد تسمح لهم بإقامة فوارق نوعیة، وکیفیات وجود مختلفة، لذا وجب على فعل الإرادة عند الإنسان الآخر أن یتحول إلى التحریر والتغلب على صعوبات الأمر الواقع(بوتلر،2014م، ص157). یقول فوکو Foucault: "إن ممارسة الاهتمام بالذات، بدلا من أن تکون قاعدة ووصیة تفرض على الإنسان فإنها أصبحت أمرا وشأنا یخص مسیرة الوجود الإنسانی کلها؛ فقد التحمت وامتزجت بفن الحیاة، إن فن الحیاة وفن الاهتمام بالذات أصبحا متداخلین، أو یمیلان على الأقل لأن یکونا کذلک"( فوکو، 1982، ص198).

2-   البعد المعرفی: یشتمل البعد المعرفی على نوعین من الفعل العقلی: الأول: الفعل العقلی الذی یتم به إدراک الظواهر الموضوعیة، أی عملیة الإدراک، والثانی: الفعل العقلی الذی یتم به حصول صورة الشیء فی الذهن، أی حاصل عملیة الإدراک، وبالتالی أصبح البحث فی نظریة المعرفة یتضمن الإشارة إلى عنصرین (قاسم، 1986م، ص285): الذات العارفة، والموضوع أو الشیء محل القصد المعرفی وهو ما یتضمنه العالم الخارجی. وهو ما تولد عنه مفهوم الهابیتوس Habitos، وهو مفهوم یعبر عن مبدأ الفعل لدى الأفراد داخل العالم المجتمعی، معبرا عن نسق الاستعدادات والملکات والقیم والأفکار والمواقف والاتجاهات أی: هو بمثابة الأنا الأعلى الذی یوجه سلوک الأفراد متضمنا لما هو فکری وذهنی، وما هو وجدانی وقیمی، وما هو فعلی وسلوکی، وبذلک یکون حلقة وصل بین بنیة المجتمع والفعل الفردی، أو هو بمثابة استبطان للممارسات الفردیة والشروط الموضوعیة (سکوت، 2013م، ص42).

وأکد هذا المفهوم على أهمیة العلاقة الجدلیة بین المجتمع متمثلا فی أنماط التربیة المستخدمة فی التعلیم، والذاتیة الفردیة، على أن تکون هذه العلاقة لیست ذات اتجاه واحد یتحدد من خلال المجتمع؛ لأن تطویر مؤسسات التعلیم من أجل تنمیة الوعی وتطویر القدرة الذاتیة على إیجاد مؤسسات ذات تنظیم عال، تعمل من أجل تکوین إنسان قادر على المشارکة فی بناء حضارة تدوم وتزدهر تکشف عن جوهر أساس الکائن الإنسانی أو ماهیته التی لیست سوى الرغبة ذاتها کما عبر عن ذلک سلفا سلفه اسبینوزا Espinosa "فالرغبة هی عین ماهیة الإنسان ذاتها" إن اسبینوزا یضعنا أمام تجربة وجود دینامی یعبر من خلالها الإنسان بما هو وحدة نفس ولحم عن قوة توکیدیة للحیاة یسمیها الکوناتوس conatus أو الجهد من اجل الاستمرار فی الوجود ومن اجل الاقتدار الذی یمنح المتعة ویحول دون العجز مصدر کل تعاسة(سیبنوزا، 2009ص277).

3-   البعد القیمی والأخلاقی: تجدر الإشارة هنا عند الحدیث عن "الأخلاقیات" إلى مصطلح آخر وهو "الأخلاق"، یرى بعض الباحثین أن هذین المصطلحین  یلتقیان فی الاتفاق على قواعد الحیاة والتعامل والتواصل؛ إلا أنهما یتبعان طرق مختلفة: الطاعة بالنسبة إلى الأخلاق، والعقل بالنسبة إلى الأخلاقیات، فکلاهما معیاری: إلا أن سجلهما مختلف؛ فالأخلاق تعترف بقیمتی الخیر والشر المعتبرتین فی مظهرهما المطلق، والمفروضتین بنفس الکیفیة على الجمیع وبالتالی تکونان ذات طابع کونی، أما الأخلاقیات فتتعلق بقیمتی الصالح والطالح المتسمتین بالنسبیة دوماً سواء تعلق الأمر بشخص أو بجماعة(سبونفیل، 2005م، ص135).

ویعطی التمییز بین الأخلاق والأخلاقیات بالطبع نتیجة هی فی صالح هذه الأخیرة، فالأخلاق تأمر، والأخلاقیات تنصح، ومع ذلک من الصعب التخلی عن الاثنین: العقل والامتثال، أی أن الأخلاقیات والأخلاق ضروریتان معاً، وقد ارتبط هذین المصطلحین بالنظریات والأطروحات التربویة (التربیة الأخلاقیة).

 قدم دورکهایم Dorkheim التصور العقلانی وطالب فیه إفهام الطفل ما هی واجباته وما هی مبررات وجودها (الامتثال)، وطالب بیاجیه Piaget بإعطاء الأولویة لأخلاق التعاون (الحریة)، وهنا یکمن التمییز بین الأخلاق والأخلاقیات انطلاقاً من المنظور التربوی، أی الربط بین إعداد الفرد للامتثال لمتطلبات المجتمع واستبطان المعاییر والقیم من جهة، وتصور الحریة، من جهة أخرى کما تتطلبها التربیة الإنسانیة(بیاربورتوا، دسمات، 2005).

4-   البعد التنویری للتربیة: یتطلب البعد التنویری أساسان: أساس نقدی وأساس حواری وکلاهما مبنی على الاستدلال والعمل على إرساء الارتباطات المتفاعلة ومن ثم الاکتشاف المتدرج للتصورات والأفکار، وبالتالی بناء المفاهیم حول الذات وحول العالم فیها، وبفضل الفهم والنقد والحوار یمکن تفادی تکون العقل الأداتی والاستلاب، کما أوضح مفکرو مدرسة فرانکفورت ودعوا إلى محاربة تکونه لأنه عقل قاصر مضلل لأنه یحجب الفهم الصحیح ویقدم تفسیراً مشوهاً للواقع، وبقدر ما تنمو المعرفة العلمیة - آخذة طابعاً أداتیاً- بقدر ما یجد الإنسان أن آفاق حریته وسعادته تتقلص وکذلک استقلاله الذاتی باعتباره فرداً، بل إن قدرته على التخیل والحکم المستقل تتناقص ایضا تزداد درجة استلابه عکس  ما یروج له من أن الإنسانیة تعیش الیوم الحریة والسعادة والتقدم، ففی حقیقة الأمر هناک قهر یمارس على الإنسان بصور مختلفة داخل المؤسسات المختلفة، والتی أدت إلى ما یسمیه أدورنو Adornoبالتنمیط التکنولوجی والتنظیمی، بغض النظر عن لا عقلانیة هذا التنمیط(Société,2011,p102)، وتصبح التربیة التنویریة ضمانة أساسیّة فی مواجهة الظاهرة الاستلابیة بالتحقیق الدائم للمعرفة والتعلیم الجوهری ولیس السطحی وتصبح التربیة القائمة على المعرفة قوة؛ فلقد أضحت الیوم مجال تنافس بین الأمم والشعوب، وذاعت فی أقطار الأرض کلّها باعتبارها من أهم حقوق الإنسان کالحریة والعدل والمساواة ...فأصبحت التربیة التنویریة لیست ترف لنا الحق ان نرفضه أو نأجله؛  فالخیر أن نتدبّر الخیر بأنفسنا وأن نسعى إلیه طائعین قبل أن ندفع إلیه کارهین(حسین،1982م، ص156).

 5- البعد الإبداعی: ویقصد به رفض التقلید لأن التقلید یؤدی إلى إلغاء العقل وبالتالی إلغاء الذات والقضاء على شخصیة الفرد وکبت قدراته وامتهان کرامته والتنازل عن إنسانیته، وهذا یستلزم ضرورة وجود طاقة وجدانیة لدى المتعلم، وهذه الطاقة یتحکم فیها الفرد بإرادته، ولکنها تتطلب أن یتمیز المتعلم المهارات الآتیة(Fabre,2009,p25):

أ‌-       التجدید المستمر فی أهدافه فی الحیاة فکلما حقق هدف ما من أهدافه سعى إلى تحقیق غیره

ب‌-     المثابرة فی تخطی العقبات والصعاب التی تحول بینه وبین تحقیق أهدافه

ت‌-     المبادأة فی اتخاذ قراراته ومواجهة الواقع والتحرک الإیجابی نحو المواقف المختلفة بجد وجرأة.

ث‌-     التقویم المستمر بحیث یکون لدیه القدرة على اکتشاف نقاط قوته نقاط ضعفه

ج‌-     الإدراک لإبداعاته مما یحفز إرادته وینشطها لمزید من الإبداع

ویتوقف دولوز Dolose عند مفهوم الفکرة باعتبارها منطلق الاکتشاف والإبداع، التی یرى فیها أن منطلق الاکتشاف والتعلم؛ فعمل العقل لا یمکن اعتباره فکرا إلا من خلال ارتباطه بالإبداع، ولا یکون الإبداع إلا وفقا للضرورة التی تدعو إلیه، وحیثما کان هناک إبداع کانت هناک مقاومة ضد الراهن وضد السکون؛ ویتشکل هنا وجود الفرد الذی یتعدى الحضور الشکلی عبر المعرفة إلى الفعل فی الحیاة العملیة بشکل ملموس من حیث هو مبدع ومنظم وموجه ومقنع؛ فالأفکار ینبغی أن تعالج کأنواع من الإمکانیات، أی أنها أنواع من القوة الممکنة، لکنها تظل مرتبطة بنموذج أو بآخر من نماذج التعبیر، وهی غیر منفصلة عن نموذج التعبیر والسیاق الذی تعرض فیه (دولوز،2012م، ص،ص 3،4) ، وبتطبیق هذا المنحى الإنسانی فی مجال ممارسة السلوک الإنسانی داخل المؤسسة التعلیمیة: ترتبط الأفکار بالمجال المعرفی والمجال الأخلاقی.

ثانیا: الأهداف والفعالیات التربویة لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فی الواقع التربوی:  تؤکد أدبیات الدراسات التربویة على محوریة الأهداف والممارسات والفعالیات التربویة فی تحسین التکوین الإنسانی ومن ثم مواجهة الظاهرة الاستلابیة باقتناع جمیع الأطراف المعنیّة بالتربیة التّربویّة قادرة على تأهیل برامج تعلیمیّة تمکّن الأجیال المتعلّمة من وعی أفضل بواقعها، یحصّنها من التّسطیح الفکری یمکن إدراک القوة الأساسیة للفعل التربوی بوصفه ممارسة رمزیة، وهی أشبه بالقوة المغناطیسیة فی تأثیرها الرمزی، وقد وجدت هذه الفکرة مکانها فی بعض الدراسات المیدانیة الأمبیریقیة الجاریة، حیث تعلن هذه الدراسات عن هذه القوى الذکیة الرمزیة التی تمارسها المؤسسات التربویة فی عملیة التحویل الثقافی والأیدیولوجی، وهی قوة هائلة خفیة مضمرة تمارسها المؤسسات التربویة فی تشکیل عقول الأفراد واتجاهاتهم.وفی ضوء الأسس والأبعاد السابقة یمکن إیضاح الأهداف والفعالیات التربویة من خلال الجدول الآتی:

جدول 1یوضح أبعاد وأهداف وفالیات التربیة الإنسانیة لمواجهة الظاهرة الاستلابیة

الأبعاد

الأهداف

الفعالیات

البعد الکینونی

  1. ترسیخ الانتماء الإیجابی للذات
  2. الاستقلالیة والإیجابیة

-          الخرائط المفاهمیة - عمل بحوث حسب اختیار الطالب - التعلم الذاتی، والتقییم

الذاتی -  إتاحة فرصة للتعبیر عن المشاعر، التخیل – الموسیقى – الرحلات المیدانیة – الحرکة – التأمل الذاتی ومراقبة التعلم.

البعد القیمی

  1. توجیه الإخلاص للحق والحقیقة
  2. الاحترام المتبادل بین جمیع

الأطراف فی العملیة التربویة

  1. التعددیة مع تجنب وقوع

ازدواجیة ثقافیة وتربویة

 

-          لعب الدور – الروایات والنکت والطرائف – الألغاز – الاحتفالات –– طرح مشکلات واقعیة ومناقشتها– المناظرات -الأفلام التعلیمیة.

البعد التنویری

  1. تحریر المعرفة المقدمة للمتعلمین
  2. تحریر القائمین على التربیة
  3. من کل أشکال القهر والتسلط

-          العمل فی مجموعات صغیرة – التعلم

التعاونی – المناظرة – حلقات الأدب –

الدراما التعلیمیة تحدید- المزایا والعیوب - استضافة زائر متحدث– الموسیقى

البعد المعرفی

  1. تفرید البنیة المعرفیة
  2. تنمیة القدرات التربویة والثقافیة

 لدى المعلم

  1. شمولیة وإجرائیة التعلم

-          الخرائط المفاهمیة –– التجارب العملیة – التصنیف – المقارنة - التنویع فی أسالیب التعلم (السمعی البصری الحسی..) تحضیر الدرس مسبقا- اقتراح أسئلة الامتحان من

 قبل الطالب - العمل فی مجموعات

البعد الإبداعی

  1. الأصالة فی التفکیر
  2. تشجیع التمسک بالهدف والاتجاه،
  3. التبصر والنظرة الثاقبة

-          إعطاء وقت للتأمل –– إجراء البحوث

 العلمیة - التدریب على الاسترخاء –

کتابة التقاریر - الفیدیو – تحضیر تساؤلات الطلبة قبل الدرس – التخیل.

ویمکن إیضاح الجدول السابق من خلال إلقاء الضوء على الأهداف التی یشملها الأبعاد الإنسانیة للتربیة لمواجهة الظاهرة الاستلابیة للعنف الرمزی فیما یلی:

1)     یشتمل البعد الکینونی على الأهداف التالیة:

أ‌-      ترسیخ الانتماء الإیجابی للذات من خلال التحرر من الأفکار النمطیة، ویرتبط ذلک بتنمیة الخبرات والمدرکات العقلیة والنضج الفکری والثقة فی الذات واکتشاف قدراتها وممیزاتها مما یؤدی لتجنب الجمود والازدواجیة.

ب‌-  تنمیة الاستقلالیة والإیجابیة: یقصد بها الحریة والاستقلال الفکری وحریة التعبیر عن الذات، وحریة اتخاذ القرار، والمسؤولیة؛ بحیث لا یخضع المتعلم لأی قوى ترید فرض هیمنتها علیه، وهذا ما یستدعی تربیة للتعلم الذاتی، والتعلم بالاکتشاف.

2)     یشتمل البعد القیمی على الأهداف التالیة:

أ‌-      توجیه الإخلاص للحق والحقیقة، من خلال إعمال العقل فی کل ما یعترضه، لأنه أساس التجدد والتحرر، یرى الکندی فی رسائله الفلسفیة إنه لا شیء أولى بطلب الحق من الحق ولا ینبغی بخس الحق ولا تصغیر قائله ولا بالآتی به(الکندی، 1978).

ب‌-  الاحترام المتبادل بین جمیع الأطراف الفاعلة فی العملیة التربویة وهذا یتطلب مناخا ومضمونا تعلیمیا یراعی حریة الاختیار والرأی والفعل والمشارکة والتفاعل، من خلال تعزیز وترسیخ الاهتمام وکذلک الشعور بالمتعة والأمان تجاه مادة التعلم، حیث یؤدی ذلک کله إلى بناء التقدیر الذاتی وتحقیق التنمیة الشخصیة وإعطاء معنى حقیقی للتعلم.

ت‌-  التعددیة مع تجنب وقوع ازدواجیة ثقافیة وتربویة وذلک بتحقیق مبادئ العدالة وتکافؤ الفرص، وإنماء ثقافة الثقة والانفتاح والاحترام، لتیسیر الادماج الاجتماعی وتحقیق الترقی الاجتماعی.

 

 

 

3)     یشتمل البعد التنویری على الأهداف التالیة:

أ‌-      تحریر المعرفة المقدمة للمتعلمین من خلال تشجیع تعددیة الأفکار والآراء؛ فعملیة التعلم لا یمکن وضعها فی إطار واحد کنموذج لجمیع المتعلمین، بحیث تنظر التربیة إلى التعلیم کخبرة ذاتیة واقعیة باعتبار ذلک مدخل لتحریر وتنمیة قدرات الإنسان.

ب‌-  تحریر القائمین على التربیة (المعلمین) من کل أشکال القهر والتسلط سواء أکان قهراً معنویاً أو رمزیاً أو مادیاً، ویتطلب ذلک تحریر المعرفة التعلیمیة بوصفها منتجاً اجتماعیاً یعبر عن تطور الواقع فی لحظه ما، وتحریر العلم من کل التابوهات المرتبطة به، وبذلک تصبح التربیة قادرة أن تؤدی دوراً تنویریاً (فعلاً وانفعالاً).

4)     یشتمل البعد المعرفی على الأهداف التالیة:

أ‌-      تفرید البنیة المعرفیة: الذی یحقق الانتقال بالشخصیة من مبدأ القوة إلى مبدأ الفعل، وتحقیق علاقات مشترکة مع المجتمع والطبیعة والعالم من موقع الذات الأصلیة، فیستشعر المشکلات الملحة التی یواجهها المجتمع، والإحساس بمظاهر النقص، والقصور، والضعف، الکامنة فی الأشیاء، ویقترح الحلول الإبداعیة لسد هذه الثغرات.

ب‌-  تنمیة قدرات اکتساب وممارسة المعرفة من خلال التحفیز للمعرفة، وإتاحة انخراط المتعلم فی النشاط التعلیمی (الحافز)، ومساعدته على الفهم والاستیعاب (تجاوز العائق) والنجاح فی انجاز المهمة (الأداء).

ت‌-  شمولیة وإجرائیة التعلم: من خلال تجنب تفتیت المعارف وتجزئتها إلى تخصّصات تؤدی إلى استقلال المواد التعلیمیة عن بعضها البعض، وإتاحة الفرصة للمتعلّم للوصول للمعرفة ذاتیّا، واکتساب المهارات الفردیة والجماعیة.

5)     یشتمل الجانب الإبداعی على الأهداف التالیة:

أ‌-      تحفیز الأصالة فی التفکیر من خلال تجنب تکرار أفکار الآخرین وحلولهم التقلیدیة للمشکلات، والتفاعل الإیجابی الذی یکسب الشخصیة القدرة على الاستجابة للمشکلات، وإنتاج أکبر قدر ممکن من الحلول التی تتصف بالمرونة والأصالة.

ب‌-  تشجیع التمسک بالهدف والاتجاه، لأن الإبداع لیس ارتجالا أو ومیضا عابرا، بل مشروط بالمثابرة والاستمراریة والقدرة على الاختیار، وهذا یتطلب إرادة توجه الفکر المبدع نحو الهدف وترکز اهتمامه علیه وهذا الترکیز یتمثل فی النشاط العقلی الذی تتآزر لأدائه کل الملکات.

ت‌-  تنمیة قدرات التبصر أو النظرة الثاقبة من خلال تنمیة القدرة على البحث وارتیاد المجهول من المعرفة التی تمنح الشخصیة مجالا واسعا من الحریة والتقصی والبحث والتعامل مع المشکلات بجوانبها المختلفة بمرونة، والتحلی بالمثابرة واکتشاف نقاط الضعف حسب ما تقتضی إعادة التنظیم، والانفتاح على الخبرات.

خاتمة:

یشکل هذا البحث محاولة للإسهام لتربیة هادفة لوجود إنسانی حقیقی، لا یتطابق فیه العقل مع الواقع، بل یفکر ویبتکر من أجل تأویله، وفق إرادة حرة وقوة تخص هذا الوجود المتمیز؛ وهذا ما یمثل أکبر التحدیات أمام التربیة، والمبدأ الأساسی الذی قامت علیه وأصبح أحد الثوابت الراسخة فی العقلیة التربویة معلم ومتعلم وهو ما أصطلح علیه بالمجتمع الضبطی عند فوکو، ومجتمع الرقابة عند بوروز: هذا المجتمع یقال لنا ما ینبغی لنا أن نعتقد به، وحتى لیس أن نعتقد به، بل أن نعمل وکأننا نعتقد به، وذلک نتیجة تخلی الإنسان طواعیة عن حریته اعتقادا منه أنه بذلک یحافظ على الأخلاقیات والرقی الإنسانی، ولکن ظهرت مع ذلک عوامل الخضوع والاستلاب نتیجة هذا العنف الناعم الذی لا یتطلب جهدا نتیجة طواعیة الأفراد له.

وأمام هذا التحدی المرکب تجد التربیة نفسها فی مأزق بین مسؤولیاتها وأهدافها الضابطة بطبعها وبین نتائج هذا الضبط من استلاب واستسلام، حتى أصبحت الکثیر من الجهود فی الفکر التربوی فی الجانب الإنسانی وإنتاجه البحثی غیر قابل للتطبیق الفعلی من جانب ومجال یتجنبه العدید من الباحثین عن العمل فیه.


المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب المحیط، إعداد وتصنیف یوسف خیاط، بیروت، دار لسان العرب،.
  2. أبو زید، أحمد (2011) الاغتراب الجدید ،  مجلة العربی، العدد ٦٣١.
  3. ارفون، هنری(1981) ، فیورباخ: ترجمة: ابراهیم العریس، بیروت، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر،.
  4. إمام، إمام عبد الفتاح (2010)، الأخلاق والسیاسة، دراسة فی فلسفة الحکم، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب.
  5. بدران، شبل وسلیمان، سعید(2009)، معلم الألفیة الثالثة فی إطار معاییر جودة الممارسة المهنیة، القاهرة، دار الجامعة الجدیدة.
  6. برجسون هنری(1971) الطاقة الروحیة، ترجمة سامی الدروبی، القاهرة.
  7. برجسون هنری(1981)، التطور المبدع، ترجمة: جمیل صلیبة، بیروت، اللجنة اللبنانیة للترجمة والنشر.
  8. برجسون، هنری(2015)، التطور الخالق، ترجمة محمد محمود قاسم، القاهرة، المرکز القومی للترجمة، وزارة الثقافة،.
  9. بریر، عصام الدین و عوض الله، آدم(2010)، جودة التعلیم وأهداف الألفیة الثالثة، العین – الإمارات، دار الکتاب الجامعین.
  10. بریستید، جیمس هنری(2000)، فجر الضمیر، ترجمة: سلیم حسن، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب ضمن سلسلة مکتبة الأسرة، مهرجان القراءة للجمیع.
  11. البنک الدولی (2011)، تقریر عن التنمیة فی العالم، تقریر التنمیة فی العالم 2011: النزاعات والأمن والتنمیة، واشنطن، البنک الدولی.
  12. بوتلر، جودیث(2014) الذات تصف نفسها، ترجمة فلاح رحیم، دار التنویر.
  13. بوردیو، بییر (1994) ، العنف الرمزی، بحث فی أصول علم الاجتماع التربوی، ترجمة نظیر جاهل، بیروت، المرکز الثقافی العربی.
  14. بوردیو، بییر و باسرون، جان کلود(2007) ، إعادة الإنتاج: فی سبیل نظریة عامة لنسق التعلیم، ترجمة ماهر تریمش، بیروت، المنظمة العربیة للترجمة.
  15. بوردیو، بییر(2002) اللغة والسلطة الرمزیة، ترجمة الزواوی بغورة، المجلة العربیة للعلوم الإنسانیة، العدد 79،.
  16. بیاربورتوا، جون و دسمات، هوفیت(2005)،  تربیة ما بعد الحداثة، ترجمة: نور الدین ساسی، تونس، المنظمة العربیة للتربیة والثقافة والعلوم.
  17. بیک، أولریش(2010) السلطة والسلطة المضادة فی عصر العولمة، ترجمة: جورج کتورة وإلهام الشعرانی، بیروت، المکتبة الشرقیة.
  18. الجاسم، عبد الله(2011)، العودة إلى التنویر... لماذا؟ مجلة العربی، العدد 631.
  19. حسین، طه (1982) مستقبل الثقافة فی مصر، دار الکتاب اللّبنانیّ.
  20. الخویلدی، زهیر(2017) العقل الفلسفی بین التأسیس المعرفی والمراجعة النقدیة، یونیو 2017، متاح على الموقع الإلکترونی    http://www.anfasse.org/  
  21. دلوز، جیل(2017) فعل الإبداع، ترجمة: أحمد الطریبق، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الفلسفة والعلوم الإنسانیة. متاح على الموقع الإلکترونی http://www.mominoun.com/
  22. دواق، الحاج(2011) التثاقف من مسلوبیة الاحتواء إلى معقولیة التعارف، مقال فی کتاب جماعی (التثاقف فی زمن العولمة)، الجزائر، منشورات مخبر حوار الحضارات والعولمة، جامعة باتنة.
  23. الرازی، محمد أبو بکر عبد القادر (1979)، مختار الصحاح، بیروت، دار الکتاب العربی.
  24. ریغی، عقیلة(2016)،  تشکل البنیة المعرفیة للمتعلم من منظور بنائی معرفی لتفعیل الإدارة الصفیة، الجزائر، مجلة أنسنة للبحوث والدراسات - کلیة الآداب واللغات والعلوم الإنسانیة والاجتماعیة - جامعة زیان عاشور بالجلفة –، دیسمبر 2016، ص6.
  25. سبونفیل، أندریه کونت(2005) هل الرأسمالیة أخلاقیة، ترجمة بسام حجار، بیروت، دار الساقی.
  26. سبینوزا(2009)، علم الأخلاق، ترجمة: جلال سعید، بیروت، مرکز دراسات الوحدة العربیة.
  27. سکوت، جون(2013) علم الاجتماع: المفاهیم الأساسیة، ترجمة محمد عثمان، بیروت، الشبکة العربیة للأبحاث والنشر.
  28. السلطی، نادیا سمیح(2009) التعلم المستند إلى الدماغ، عمان(الأردن)، دار المسیرة،.
  29. السید، نادیة حسن و رمضان، صلاح السید(2006) تفعیل دور التربیة فی تنمیة الإرادة الإنسانیة الواقع وسیناریوهات المستقبل، مجلة کلیة التربیة جامعة بنها، العدد 68.
  30. صن، أمارتیا(2008) العنف والهویَّة: وهم مصیر الحتمی، ترجمة سحر توفیق، الکویت، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب.
  31. طرابلسی، عمار (2017)، الفرد بین السلطة والمهارة، متاح على الموقع الإلکترونی: http://www.anfasse.org
  32. عادل هبة(2015) فلسفة الطاقة الإنسانیة (رؤیة فلسفیة معاصرة)، ، متاح على الموقع الإلکترونی لدار المنظومة  http://search.mandumah.com /
  33. عبد الرحیم، عماد(2012)، مبادئ علم النفس التربوی، ط 4، عمان ،الأردن، دار المسیرة للنشر و التوزیع و الطباعة.
  34. عبدالله عطیة، المدرسة ومهام البناء الدیمقراطی، ینایر 2017م، تاریخ الرجوع 22/11/ 2017  متاح على الموقع الإلکترونی: http://www.anfasse.org/contact-us
  35. علی، عطیة محسن (2015)، البنائیة و تطبیقاتها، عمان، الأردن، دار المنهجیة للنشر و التوزیع، ، ص246.
  36. عطیة، أحمد عبد الحلیم (2008)، الإنسان فی فلسفة فیورباخ، القاهرة، دار التنویر.
  37. علی، سعید إسماعیل(1995)، فلسفات تربویة، عالم المعرفة، عدد 198، القاهرة، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب.
  38. الفراجی، هادی(2009) جودة التعلیم ضمان التنمیة المستدامة، وزارة التربیة بسلطنة عمان، مؤتمر جیو تونس الدولی 16-20/12/2009.
  39. فوکو، مشیل(1982)، تأویل الذات، ترجمة وتقدیم وتعلیق د. الزواوی بغوره، بیروت، دار الطلیعة.
  40. فوکویاما، فرانسیس(1993)، نهایة التاریخ والإنسان الأخیر، ترجمة فریق الترجمة فؤاد شاهین، جمیل قاسم، رضى الشایبی، بیروت، مرکز الإنماء القومی.
  41. قاسم، محمد (1986)، کارل بوبر "نظریة المعرفة فی ضوء المنهج العلمی "، الإسکندریة، دار المعرفة الجامعیة.
  42. قطامی، یوسف  وقطامی، نایفة(1998)،  نماذج التدریس الصفی، عمان، الأردن، دار الشروق للنشر والتوزیع،.  
  43. قمر، عصام توفیق عبد الحلیم(2005): مقاربة نظریة لبعض الفلسفات التربویة المعاصرة وموقفها من الطبیعة الإنسانیة وأهداف التربیة وأسالیب تحقیقها، القاهرة مجلة عالم التربیة، العدد 15.
  44. کرومی، عبد الحکیم(2017) ، من التملک إلى الکینونة: من أجل مجتمع جدید، مرکز نماء للبحوث والدراسات، أوراق نماء (70). متاح على الموقع الإلکترونی  http://nama-center.com/
  45. الکندی(1978)، الرسائل الفلسفیة، تحقیق وتقدیم وتعلیق: محمد عبد الهادی أبو ریدة، دار الفکر العربی.
  46. لو بون، غوستاف(1991)، سیکولوجیة الجماهیر، ترجمة: هشام صالح، بیروت، دار الساقی.
  47. مصطفى، بدر الدین و الإمام، غادة (2012) مشکلات فلسفیة، عمان، الأردن، دار المسیرة.
  48. معهد الفرنکوفونیة للتعلیم والتکوین(2017): تقریر عن ورشة عمل بعنوان: تسلیع التعلیم ضمن فعالیات اجتماع فرانکفونی حول خصخصة التعلیم وتسلیعه، داکار. متاح على الموقع الإلکترونی  https://www.francophonie.org
  49. منظمة الأمم المتحدة(2013)، تقریر جهاز الأمم المتحدة المعنی بشؤون المرأة، نیویورک.
  50. میللر، جون(1986)،  الطیف التربوی، ترجمة: إبراهیم الشافعی الریاض، جامعة الملک سعود،.  
  51. النشار، مصطفى حسن(2013) الفلسفة الشرقیة القدیمة، القاهرة، دار المسیرة،.
  52. النقیب، خلدون حسن(1993)، المشکل التربوی والثورة الصامتة، دراسة فی سوسیولوجیا الثقافة، المستقبل العربی، عدد 174.
  53. هیجل (1996)، أصول فلسفة الحق، ترجمة: أمام عبد الفتاح أمام، القاهرة، مکتبة مدبولی.
  54. هیدجر، مارتن(1977) نداء الحقیقة، ترجمة: وتقدیم ودراسة: عبد الغفار مکاوی، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر.
  55. هیدجر، مارتن(2012) الکینونة والزمان، ترجمة وتقدیم وتعلیق: فتحی ألمسکینی، مراجعة: إسماعیل المصدق، لیبیا،.
  56. وطفة، علی أسعد(2005) ، التربیة على التسامح فی مواجهة التطرف، شؤون عربیة، عدد 124 .
  57. وطفة، علی أسعد(2012)، الطاقة الاستلابیة للعنف الرمزی، شبکة النبأ المعلوماتیة- 8/5/2012م، متاح على الموقع الإلکترونی: http://www.asharqalarabi.org.uk/index.htm
  58. ولسن، کولن(1982)، الإنسان وقواه الخفیة، ترجمة سامی خشبة، ط4، بیروت، مکتبة النافذة.
  59. یوسف، عماد(2008)، عن مفهوم الاستلاب العقلی والفکری أو الثقافی، دمشق، صفحات سوریة،.
  60. الیونسکو (2017)، إعادة التفکیر فی التربیة والتعلیم نحو صالح مشترک عالمی؟، منشورات الیونسکو، منظمة الأمم المتحدة،  2017.
  61. الیونسکو(1993)،توصیات الدورة الثالثة والأربعون للمؤتمر الدولی للتربیة بجنیف عام 1992م،
  62. الیونسکو(2015)، تقریر عن إعادة التفکیر فی التربیة والتعلیم.
  63. الیونسکو(2015)، مستقبل التعلم 3: ما نوع البیداجوچیا فی القرن الحادی والعشرین؟ 2015.
    1. Basil, Brenstien(1975). Langage et Classes sociales, Minuit, Paris.
    2. Baudelot & Establet(1974).L’ecole capitaliste en France, P.U.F., Paris, (L’ecole capitaliste en France).
    3. Bourdieu, Pierre(1978) Capitale sympolique et Classes sociales, dans L’ARC, N72, 2e Trimestre.
    4. Bourdieu, Pierre(1992) Réponses Pour une anthropologie réflexive, Seuil, Paris .
    5. Braud(1999). « Violence symbolique, violence physique. Éléments de problématisation », dans Jean Hannoyer (dir.), Guerres civiles. Économies de la violence, dimensions de la civilité, Paris , Karthala-Cermoc.
    6. Fabre, Michel(2009). «Qu’est-ce que problématiser ? Genèses d’un paradigme», Recherches en Education - n° 6 Janvier.
    7. Foucault, Michel(2003) "surveiller et punir , Naissance de la prison reed , Gallimard.
    8. Illitch, Ivan(1971). Une societe sans ecole, seuil, Paris،
    9. Krais, Beate (2006). Theory, Culture and Society: vol. 7, no. 6.
    10. Mander, Mary S. (1987). European Journal of communication: vol. 2, no. 4.  
    11. Ricoeur, Paul(1955) Histoire et verite, Paris, Le Seuil.
    12. Ricoeur, Paul(1994).Encyclopaedia Universalis,Paris .
    13. Snyders Georges(1982) Ecole Classe et Luttes des Classes, PUF., Paris, 1982) (Ecole Classes et Lutte des classes)،
    14. Theodor Adorno, Société(2011) Integration, Désinlégration. Ecrits Socinlogiques. Traduit par Pierre Arnoux, Julian Christ, Georges Felten, Florian Nicodéme, Payot.
    15. United nations,(2013) A New Global Partnership: Eradicate poverty and transform economies through sustainable development.
    16. World Development Report( 2011) Conflict, Security and Development.