خبرة الصين في تعليم الظل وإمکانية الإفادة منها في مصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المستخلص

ثمة انتشار وتنامي عالميا لما يسمي بتعليم الظل للدروس الخصوصية التکميلية- وبالتوازي مع نظم التعليم الرسمي- حيث شهدت السنوات القليلة الماضية نموا متزايدا لهذا النوع من التعليم، صحبه تطورا في أشکاله وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر تعليم الظل من أکثر الصناعات التعليمية نموا، خاصة مع التحول في معادلة التوازن بين دور الدولة والقطاع الخاص في تقديم الخدمة التعليمية. ففي الصين، يلاحظ أن الدروس الخصوصية نشاط حاضر بقوة ومترسخ بعمق في ثقافة تلک الشعوب، نظرا لتمجيد الفلسفة الکونفوشيوسية للعلم وترکيزها على أهمية الاجتهاد في طلبه.
هدف الدراسة: طرح إطار مقترح لسياسات التعليم المصرية تجاه الدروس الخصوصية في ضوء الإطار النظري وخبرة الصين؛ وبما يتفق مع ظروف المجتمع المصري ومعطياته الثقافية.
 
منهج الدراسة: وظفت الدراسة- في ضوء القضية المطروحة والهدف منها- صيغة الدراسة القطرية
Single-Nation Study.
توصيات الدراسة:
توصلت الدراسة إلىتقسيم سياسات التعليم المصرية المستهدفة لمواجهة الدروس الخصوصية إلى:
سياسات علاجية: وتستهدف معالجة أوجه القصور وتحسين نوعية العملية التعليمية في مدارس التعليم العام. سياسات وقائية: وتستهدف الحد من تزايد وانتشار الدروس الخصوصية بين طلاب التعليم العام في مصر.
سياسات بديلة: تستهدف تطبيق بعض مظاهر الدروس الخصوصية في التعليم العام والتأکيد على آثارها الإيجابية

الكلمات الرئيسية


خبرة الصین فی تعلیم الظل

وإمکانیة الإفادة منها فی مصر

د. أمل عبد الفتاح محمد

الأستاذ المساعد بقسم التربیة المقارنة والإدارة التعلیمیة

کلیة التربیة ـ جامعة عین شمس

مقدمة: ثمة انتشار وتنامی عالمیا لما یسمی بتعلیم الظل للدروس الخصوصیة التکمیلیة- وبالتوازی مع نظم التعلیم الرسمی- حیث شهدت السنوات القلیلة الماضیة نموا متزایدا لهذا النوع من التعلیم، صحبه تطورا فی أشکاله وتأثیراته الاقتصادیة والاجتماعیة. ویعتبر تعلیم الظل من أکثر الصناعات التعلیمیة نموا، خاصة مع التحول فی معادلة التوازن بین دور الدولة والقطاع الخاص فی تقدیم الخدمة التعلیمیة. ففی الصین، یلاحظ أن الدروس الخصوصیة نشاط حاضر بقوة ومترسخ بعمق فی ثقافة تلک الشعوب، نظرا لتمجید الفلسفة الکونفوشیوسیة للعلم وترکیزها على أهمیة الاجتهاد فی طلبه.

هدف الدراسة: طرح إطار مقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة فی ضوء الإطار النظری وخبرة الصین؛ وبما یتفق مع ظروف المجتمع المصری ومعطیاته الثقافیة.

 

منهج الدراسة: وظفت الدراسة- فی ضوء القضیة المطروحة والهدف منها- صیغة الدراسة القطریة

Single-Nation Study.

توصیات الدراسة:

توصلت الدراسة إلىتقسیم سیاسات التعلیم المصریة المستهدفة لمواجهة الدروس الخصوصیة إلى:

سیاسات علاجیة: وتستهدف معالجة أوجه القصور وتحسین نوعیة العملیة التعلیمیة فی مدارس التعلیم العام. سیاسات وقائیة: وتستهدف الحد من تزاید وانتشار الدروس الخصوصیة بین طلاب التعلیم العام فی مصر.

سیاسات بدیلة: تستهدف تطبیق بعض مظاهر الدروس الخصوصیة فی التعلیم العام والتأکید على آثارها الإیجابیة.

الکلمات المفتاحیة: تعلیم الظل، الدروس الخصوصیة، سیاسات التعلیم.


China's experience in shadow education and the possibility of benefiting from it in Egypt

 

 

Introduction: The Shadow Education of Private Supplemental Tutoring - in parallel with the formal education system - has seen a growing global growth in the past few years, with the growth of this type of education, accompanied by an evolution in its forms and its economic and social effects. Shadow education is one of the most developed educational industries, especially with the shift in the balancing equation between the role of the state and the private sector in the provision of educational services. In China, private tutoring is an activity that has been strongly present and deeply rooted in the culture of those nations for a long time. One of the reasons is the glorification of the Confucian philosophy of science and its emphasis on the importance of diligence in its application.

 

The study aim: Introducing a proposed framework for Egyptian education policies towards private tutoring in light of the theoretical framework and the experience of China; and in accordance with the conditions of the Egyptian society and its cultural context.

 

 The study Methodology: The study applied the approach of Single-Nation Study.

 

The Study Recommendations: The study concluded that the Egyptian education policies targeted to confront the private tutoring are:

- Treatment policies: to address deficiencies and improve the quality of education in public education schools.

-  Preventive policies: to reduce the prevalence and spread of private tutoring among students of general education in Egypt.

- Alternative policies: to apply some aspects of private tutoring in public education, emphasizing their positive effects.

Key words: shadow education, private tutoring, and education policies.

 


خبرة الصین فی تعلیم الظل

وإمکانیة الإفادة منها فی مصر

د. أمل عبد الفتاح محمد (*)

القسم الأول: الإطار العام للبحث

مقدمة:

تحظى نُظم التعلیم الرسمی بمراحله ومستویاته المختلفة، باهتمامٍ متزاید من قِبل حکومات الدول ـ سواء النامیة منها، أو المتقدمة ـ ومراکز صناعة القرار التعلیمی بها، خاصةً فی سعیها نحو التمیز وتحقیق الجودة التعلیمیة. وعلى الرغم من التغیر ـ الفارق ـ الحادث فی مفهوم التعلم وظهور العدید من أشکاله ومساراته التی تتیح أدوارًا وعلاقات جدیدة بین المعلم والمتعلم تقوم فی أساسها على احتیاجات المتعلم ودافعیته نحو التعلم، إلا أن المدارس ما تزال ـ بالتأکید ـ هی المصدر الرسمی السائد لتوفیر التعلیم للأطفال والشباب الذین تتراوح أعمارهم من 6 ـ 18 عامًا. کما یبقى المعلمون أکثر الأفراد وضوحًا فی مسئولیاتهم عن تقدیم التعلیم وتعزیز تعلم الطلاب.

ومن ثم یصبح التعلیم/ التعلم "سیاسة التأمین" insurance policy الرئیسة للأفراد والأسر والمجتمعات والدول والأقالیم فی عصر العولمة، خاصةً مع التوسع الهائل فی توفیر التعلیم للسکان، وارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس، والتی تتعامل مع ما یتعلق بالمعلوم (التکنولوجیا والمهارات)، والمجهول (غموض وتقلبات الأسواق) من المخاطر ([1]).

وبالتوازی مع نظم التعلیم الرسمی، ثمّة انتشار وتنامٍ عالمی لما یُسمى بتعلیم الظل للدروس الخصوصیة التکمیلیة The Shadow Education of Private Supplementary Tutoring؛ حیث شهدت السنوات القلیلة الماضیة نموًّا متزایدًا لهذا النوع من التعلیم، صحبه تطورًا فی أشکاله وتأثیراته الاقتصادیة والاجتماعیة.

ویرجع (برای Bray) هذا النمو المتزاید لتعلیم الظل إلى أن معظم التلامیذ فی جمیع أنحاء العالم لا ینتهی تعلمهم بنهایة الیوم الدراسی، فهناک واجبات منزلیة یجب إنجازها لتعزیز التعلیم المدرسی والإعداد للخطوات المقبلة. وإن کان البعض منهم یمکنه إنجاز هذه الواجبات بشکل فردی وربما بمساعدة أسریة، فإن أعدادًا متزایدة منهم تلجأ للدروس الخصوصیة والتی یمکن أن یتلقوها بشکلٍ فردیّ أو فی مجموعات. وقد یرتبط محتواها بموضوعات محددة تم شرحها خلال الأسبوع الدراسی بالمدرسة، أو تکون موضوعات إضافیة، وقد یتلقى التلامیذ دروسهم الخصوصیة بعد ساعات الیوم الدراسی و/ أو فی العطلات الأسبوعیة والعطلات الرسمیة و/ أو العطلات المدرسیة ([2]).

ویعتبر تعلیم الظل من أکثر الصناعات التعلیمیة نموًّا، خاصةً مع التحول فی معادلة التوازن بین دور الدولة والقطاع الخاص فی تقدیم الخدمة التعلیمیة، کما أنه وسیلة فاعلة للحراک الاجتماعی فی العدید من المجتمعات المعاصرة، مما یؤدی إلى زیادة الطلب علیه فی جمیع أنحاء العالم؛ فعلى سبیل المثال، تجاوزت نسبة المشارکة فی تعلیم الظل أکثر من 40% فی 37 دولة من دول العالم ([3]).

واستعراض أنماط الدروس الخصوصیة فی مختلف دول العالم یمکننا من تصنیف هذه الدول حسب طبیعة الدروس الخصوصیة ومدى انتشارها فیها، ویرتکز هذا التصنیف على بیانات تاریخیة بشأن ظهور الدروس الخصوصیة کنشاط واضح المعالم، وعلى العوامل الثقافیة التی ساهمت فی تشجیع الدروس الخصوصیة أو تثبیطها، وعلى العلاقات بین تعلیم الظل وسیاسات التعلیم الحکومیة، ففی مجتمعات شرق آسیا، ومنها الصین، یُلاحظ أن الدروس الخصوصیة نشاط حاضر بقوة ومترسخ بعمق فی ثقافة تلک الشعوب، ومنذ أمد بعید. ومن بین الأسباب التی أدت إلى ذلک هو تمجید الفلسفة الکونفوشیوسیة للعلم وترکیزها على أهمیة الاجتهاد فی طلبه ([4]).

وفی إطار ما یشهده نظام التعلیم فی مصر من تغییرات وتعدیلات، وفی أعقاب ثورة ینایر 2011، تم إعداد دستور جدید للبلاد نصّ على جانب الجودة فی التعلیم، وهی المرة الأولى التی یظهر فیها مصطلح الجودة مقترنًا بالتعلیم. وبعد تعطیل هذا الدستور فی الثالث من یولیو عام 2013، وفی أعقاب ثورة یونیو من العام ذاته، تم تعدیله والاستفتاء على هذا التعدیل فی 2014. وقد تمیّز هذا الدستور عن سابقیه ـ فی جانب الجودة ـ أنه لم یقتصر على حق المواطن فی الحصول على تعلیم عالی الجودة فحسب، بل ألزم الدولة بتوفیر التعلیم وفقًا لمعاییر الجودة العالمیة، وهو ما یسمح بتقییم تلک الخدمات فی ضوء معاییر معروفة عالمیًّا لقیاس جودة التعلیم ([5]).

وقد حققت وزارة التربیة والتعلیم إنجازات کبیرة فی شتى مجالات العمل التربوی، رغم ما تواجهه من تحدیات التطویر وقلة الموارد المالیة، حیث أطلقت الوزارة الخطة الإستراتیجیة الثانیة للأعوام (2014 ـ 2030) التی تتناغم مع الإصلاح الشامل على مستوى الدولة، وهی خطة تعتمد على رؤیة أن التعلیم حق للجمیع دون تمییز بین أبناء الوطن. وتضمنت الإستراتیجیات الحاکمة والموجهة لأنشطة الخطة ([6]):

  • تطویر المناهج بما یحقق ترسیخًا للانتماء الوطنی المصری، والحفاظ على الهویة، وصولًا إلى المنهج الفردی الشامل الذی یتیح مساحة واسعة من الاختیارات للطالب وتنمیة الإبداع، وذلک فی إطار الترکیز على بناء الشخصیة أکثر من الاستیعاب وحفظ المعلومات.
  • إتاحة الفرص المتکاملة لاستیعاب وتعلیم جمیع الأطفال من عمر (5 ـ 18)، وتحسین قدرة المدرسة على الاحتفاظ بهم والحد من تسربهم.
  • التوصل إلى معالجات غیر تقلیدیة لمواجهة القصور الشدید فی کفایة المبانی والتجهیزات المدرسیة، والتصدی للحد من الکثافات العالیة للفصول) التمویل، الأراضی).
  • مواجهة قضایا التقویم والامتحانات، وصولًا إلى نظم تعید التعلیم إلى طبیعته ووظیفته الأساسیة.
  • توفیر بیئة مدرسیة جاذبة تعمل کل الوقت على احتواء الطلاب وإشباع احتیاجاتهم التربویة والتعلیمیة.
  • التنمیة المهنیة الشاملة والمُستدامة المخططة للمعلمین، وبما یحقق التجدید المعرفی والمهنی للمعلمین کل خمس سنوات، وصولًا إلى المعلم المُتجدد والمُرشد والمُیسِّر للتعلم. والترکیز على المعالجات الشاملة لقضایا المعلمین وإیجاد الحلول المتوازنة لحاجاتهم، وبما یحقق تحسین الأداء التعلیمی.
  • بناء نظام کامل ومتطور للمحاسبیة، قائم على الشفافیة، یعتمد على المتابعة الحقیقیة للأداء وتقویمه المبنی على مؤشرات ومحددات الأداء للمستویات التعلیمیة کافة؛ للتأکید على الجودة النوعیة والکمیة لمخرجات التعلیم.
  • التأکید على المشارکة الفعالة للأسرة والدعم المجتمعی، من خلال مجالس الأمناء لعملیات التعلیم والتعلم (بما یحقق المحاسبة الأفقیة).
  • تحدیث منظومة التشریعات التعلیمیة وذات الصلة والمؤثرة فیها، بما یتفق وعملیات تطویر النظام التعلیمی فی جوانبه کافة.

 

مشکلة البحث:

على الرغم من الجهود التشریعیة والوثائقیة سالفة الذکر، إلا أن فی العقود الأخیرة ارتبط التعلیم الحکومی المصری بفکرة انخفاض الجودة، وانتهى الأمر بانسحاب الدولة انسحابًا تدریجیًّا من تقدیم الخدمات التعلیمیة، الأمر الذی أسهم فی تقدیم خدمة تعلیمیة لا ترقى لتطلعات أصحاب المصلحة من نظام التعلیم، وفی مقدمتهم المتعلمین أنفسهم وأولیاء الأمور والقائمین على قطاعات الأعمال، مما دفع قطاعًا من المواطنین دفعًا إجباریًّا نحو البحث عن خدمة تعلیمیة بدیلة. حیث لا یتسق التعلیم قبل الجامعی الحکومی ـ بسیاساته المنظمة له وإجراءات تطبیق وتنفیذ تلک السیاسات على أرض الواقع بمؤسسات التعلیم المصریة ـ مع متطلبات التعلم للقرن الواحد والعشرین، ولا سیما الفجوة بین کم ونوع التعلیم من ناحیة، وبین ما یتم تدارسه من مناهج بالمدارس ومتطلبات الواقع المَعیش المرتبطة بالانتقال لمستوى/ أو مرحلة تعلیمیة أعلى ـ وخاصة التأهل للمرحلة الجامعیة ـ أو الانخراط فی سوق العمل من ناحیة أخرى.

وقد ترتب على ذلک؛ انتشار وتنامی الدروس الخصوصیة، وأصبحت مشکلة قومیة وسلوکیة خطیرة، یتعرض لها معظم المجتمع المصری، وتجرِّد العملیة التعلیمیة من أهدافها؛ فهی مسئولة عن التأکید على سیاسات الحفظ والتلقین والترکیز على بعض مکونات الجانب المعرفی على حساب الجوانب الأخرى من اتجاهات وقیم ومیول ومهارات، کما تعد عملیة غیر أخلاقیة من حیث استغلال المعلم تلامیذَه وفقدان التلمیذ مبدأ الاعتماد على الذات([7]). کما تمثل الدروس الخصوصیة تأثیرًا سالبًا على الاقتصاد المصری؛ حیث تبلغ تکلفته سنویًّا حوالی 12 ملیار جنیه فی المتوسط؛ وبما یعادل تقریبا حوالی 25% من دخل الأسرة المصریة.

ویمکن رصد أهم المشکلات ومواطن الضعف فی نظام التعلیم الرسمی المصری، والتی أدت إلى انتشار ظاهرة الدروس الخصوصیة بین طلابه فیما یلی:

  1. محدودیة سیاسات/ ومبادرات إصلاح التعلیم: حیث لم تحقق هذه السیاسات/ والمبادرات النتائج المرجوة منها؛ لاعتمادها الإصلاح من أعلى إلى أسفل، ومن خارج المدرسة إلى الداخل، کما أنها قطاعیة وجزئیة، تفتقر إلى النظرة الکلیة ـ حیث تتناول أمورًا متفرقة وغیر کاملة ـ ومن ثمّ لم تعالج الأزمات التعلیمیة المتعددة التی منها؛ الترکیز على الکم دون الکیف، والاعتماد فی التعلیم على الحفظ والتلقین دون الاهتمام بتنمیة مهارات التفکیر ([8]).

ومرد ذلک اعتماد سیاسات ومبادرات إصلاح التعلیم فی مصر على الحلول قصیرة الأجل لمظاهر المشکلات التی تواجهه دون الاهتمام بأصول تلک المشکلات؛ فمثلًا حینما بدأ المعلمون الشکوى من مستواهم المادی ـ باعتبارهم الطرف الحاسم والمؤثر فی انتشار ظاهرة تعلیم الظل "الدروس الخصوصیة" ـ تمت الاستجابة من خلال تعدیلات فی الدرجات والمستحقات لرفع المستویات المادیة لهم بصورة شکلیة، وتم تجاهل وضع حلول متکاملة تتعرض للمشکلة من جذورها، فمهما زاد أجر المعلم، فلن یستطیع هذا الأجر تعویضه عما یحصل علیه من الدروس الخصوصیة، فضلًا عن عدم تجریمها ([9]).

  1. أن المناهج والمقررات الدراسیة بعیدة کل البعد عن إکساب الطلاب بعض المهارات الأساسیة؛ کمهارات التفکیر الناقد، ومهارات التفکیر العلمی، والتفکیر الإبداعی، والاتصال التعلیمی، ومهارات التعلم التعاونی، وغیرها من المهارات، ویتضح ذلک فی نقاط القصور التالیة:
  • اعتماد المناهج الدراسیة على الجانب النظری وافتقارها إلى الجوانب التطبیقیة.
  • الاهتمام بالکم دون مراعاة الکیف، فمعظم المناهج الدراسیة تتضمن حشو زائد ومعلومات مکررة.
  • المعلومات المقدمة فی المناهج لأجل الاختبار واجتیازه، لا من أجل الانتفاع بها.
  • لیس هناک دمج بین تقنیات التعلیم والمناهج الدراسیة ([10]).
  1. تقلیدیة منظومة التقویم والامتحانات: وخاصةً للسنوات النهائیة من کل مرحلة تعلیمیة من مراحل التعلیم العام الرسمی، حیث یستهدف التقویم قیاس أداء الطلاب وتحصیلهم الدراسی عن طریق الامتحانات التقلیدیة (امتحان الورقة والقلم) فی نهایة الفصل الدراسی وفی نهایة العام، وهو تقویم یرکز على المستویات المعرفیة الدنیا ویشجع على الحفظ والاستظهار للمادة العلمیة المقررة، ولا یعبر عن المستوى الحقیقی لتحصیل الطالب ([11]).
  2. ارتفاع کثافة الفصول الدراسیة: حیث أدت الضغوط الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة إلى زیادة أعداد الطلاب بالمدارس زیادة کبیرة، لا یقابلها زیادة فی عدد المدارس والفصول؛ وترتب على هذه الزیادة خلل فی النسب المتعارف علیها بین عدد الطلاب والمعلمین، وفی النسب بین أعداد الطلاب والمتطلبات والتجهیزات التعلیمیة الأخرى، مثل: المبانی، والمعامل، وبیئة التعلم، ومیزانیة التعلیم، وتوفیر الکتب والخامات والأجهزة التعلیمیة ([12]).

ووفقًا لتقریر أعده مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بعنوان "واقع التعلیم فی مصر، حقائق وآراء" (مارس 2013) یتضح أن عدد المبانی الدراسیة تعانی کثافات عالیة تبلغ 4.9 ألف مبنى تمثل نحو 37.8% من إجمالی المبانی المدرسیة الحکومیة؛ حیث تصل نسبة المدارس عالیة الکثافة الطلابیة فی القاهرة إلى 40.1%، وترتفع إلى 48.4% فی الجیزة، وتصل إلى 53.1% فی القلیوبیة، ومثلها تقریبًا فی الإسکندریة، وأن کثافة الفصول ترتفع فی المرحلة الابتدائیة مقارنة بباقی مراحل التعلیم ([13]). کما أن هناک نحو 4.2 ألف مبنى دراسیًّا یعمل بنظام الفترات المتعددة، بنسبة 16.7% من إجمالی المبانی الدراسیة الحکومیة، مما یؤثر بالسلب على عدد الساعات التی یقضیها الطلاب فی المدارس ([14]).

من ناحیة أخرى، أدى الارتفاع فی کثافة الفصول الدراسیة ـ حیث وصلت کثافة الفصول خلال العام الدراسی 2012/ 2013 إلى 40 تلمیذًا بالفصل ـ وزیادة أعداد الطلاب/ المعلم إلى ظهور مشکلات عدیدة منها ([15]):

  • مشکلات فی التواصل: صعوبة تذکر المعلم لأسماء الطلاب، فضلًا عن غیاب العلاقات الفردیة بین المعلم والطلاب، وحرمان المتعلم من فرص التعبیر عن ذاته، أو التواصل والتفاعل بین معلمیه وزملائه، وصعوبة سماع الطلاب للمعلم أو رؤیة ما یقوم به.
  • مشکلات تنظیمیة: ترتبط بإدارة الصف، مشکلات سلوکیة، زیادة مستوى الضوضاء، غیاب الطلاب عن المدرسة وعدم الإحساس بالراحة داخل حجرة الدراسة، وکذلک قلة الزمن المتاح لشرح الدرس بمفاهیمه ومهاراته فی ضوء تنوع واختلاف اتجاهات ومیول المتعلمین.

وفی نفس السیاق، نوهت دراسة للمرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة بعنوان "تفعیل دور المدرسة الثانویة العامة فی مواجهة ظاهرة غیاب الطلاب عن الدراسة: دراسة میدانیة" (2011 ـ 2012) إلى ارتباط غیاب الطلاب عن الحضور للمدرسة ـ خاصة فی المدرسة الثانویة ـ بترکیزهم فی المراجعة والدروس الخصوصیة التی قد تبدأ مبکرًا، وربما أثناء الإجازة الصیفیة، مما یترتب علیه؛ أن الطالب لا یشعر بأنه یستفید من الحضور للمدرسة، وبالتالی یتغیب عن الدراسة، أو ینقطع عنها، ویتفرغ للدروس الخصوصیة، فمُعلم الدرس الخصوصی هو الذی یعلم ویلخص للطالب المادة العلمیة لکی یتشربها ویحفظها ویُدرّبه على أسئلة الامتحانات، ولیس مُهمًّا أن یفهم ما فیها أو یناقش قضایاها ([16]). وفی ضوء نتائج مسح النشء والشباب، جاء متوسط الغیاب 5.4 أیام فی المرحلة الابتدائیة فی الفصل الدراسی، فی حین أن تلامیذ المرحلة الإعدادیة قد سجلوا 6.6 أیام، أما تلامیذ المرحلة الثانویة العامة فتصل إلى 107 أیام ([17]).

وإجمالًا، تعد مشکلة ارتفاع کثافة الفصول فی المدارس الحکومیة فی مصر، وخاصةً مرحلة التعلیم الأساسی، سببًا رئیسًا فی انخفاض جودة خدمات التعلیم مما یضعف من قدرة ودافعیة التلامیذ فی استیعاب ما یقدمه المعلمون من مواد تعلیمیة، ومن ثم انتشار ظاهرتی الرسوب والدروس الخصوصیة.

  1. ضعف الثقافة المهنیة للمعلم: نظرًا لضعف الدعم الفنی المقدم، ویغلب على الثقافة المهنیة للمعلم الطابع التقلیدی ـ مع زیادة نصاب المعلمین من الحصص الأساسیة والاحتیاطیة ـ من حیث طرق التدریس وشرح الدروس وضعف قدرتهم على متابعة الجدید فی طرائق التدریس الحدیثة وفی تخصصاتهم الأکادیمیة. وبالرغم من إقرار الکادر الخاص بالمعلمین وإنشاء الأکادیمیة المهنیة عام 2008 بغرض التنمیة المهنیة للمعلمین وربط الترقیات بالتنمیة المهنیة، إلا أن ذلک لم ینعکس بالإیجاب على مستوى أدائهم التدریسی فی الفصول الدراسیة، کما تشیع لدى المعلمین ثقافة الجانب المعرفی فی دروسهم؛ فیرکزون على هذا الجانب أو على القدرة المعرفیة أو التحصیلیة ـ نظرًا لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصیة فیما بینهم ـ ولا یرکزون على جمیع جوانب شخصیة الطالب ([18]). فمع انتشار ظاهرة الدروس الخصوصیة یأتی بعض المعلمین إلى المدرسة وهم متعبون ومنهکون لإعطائهم الدروس الخصوصیة بقیة النهار ولساعات متأخرة من اللیل مما یحد من أدائهم داخل الفصل، وقد یحصل بعض المعلمین على إجازات بدون مرتب للتفرغ للعمل بمراکز الدروس الخصوصیة ([19]).

ونتیجة للمشکلات ومواطن الضعف السابق الإشارة إلیها، یکون التساؤل: هل توفر وزارة التربیة والتعلیم فی مصر الخدمات التعلیمیة المجانیة/ الجیدة دون تحمیل المواطنین بشکل عام، وأولیاء الأمور على وجه خاص أعباء مادیة ونفسیة إضافیة؟ وتأتی إجابة هذا التساؤل من خلال لجوء أولیاء الأمور إلى الدروس الخصوصیة؛ للحصول على تعلیم أفضل، وربما فرص أفضل لأبنائهم فی مستویات التعلیم العام ومراحله المختلفة. وإدراکًا للآثار المترتبة على مشکلة الدروس الخصوصیة، قام مرکز استطلاع الرأی العام، التابع لمرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بإجراء استطلاع للرأی حول إنفاق أولیاء الأمور على المستویات المختلفة من التعلیم، ومدى استعدادهم لدفع مصروفات إضافیة من أجل الحصول على مستوى تعلیم أفضل لأبنائهم. حیث تم استطلاع رأی 2131 ولی أمر لدیهم 4040 طالبًا فی مراحل التعلیم قبل الجامعی. وجاءت النتائج على النحو التالی ([20]):

  • 55% من الطلاب بالعینة یحصلون على دروس خصوصیة، کما أن 11% یحصلون على مجموعات تقویة، و9% یحصلون على الاثنین معًا.
  • ترتفع نسبة مَن یحصلون على أیة مساعدات خارجیة متمثلة فی دروس خصوصیة أو مجموعات تقویة أو الاثنین معًا بین الطلاب:

-        فی المرحلة الإعدادیة (85%)، یلیهم الطلاب فی المرحلة الثانویة (77%)، ثم الطلاب فی المرحلة الابتدائیة (70%).

-        بالأسر من ذوی المستوى الاقتصادی المرتفع والمتوسط (79%، 77% على التوالی)، یلیهم الطلاب بالأسر من ذوی المستوى الاقتصادی المنخفض (71%).

-        بالأسر المقیمة فی الحضر (79%)، مقارنة بالمقیمة فی الریف (72%).

-        بالأسر التی فیها رب الأسرة وربتها، أو أحدهما، من ذوی المستوى التعلیمی الأقل من جامعی (77%، 78% على التوالی)، یلیهم الطلاب بالأسر التی فیها رب الأسرة وربتها، أو أحدهما، من ذوی المستوى التعلیمی الجامعی فأعلى (71%).

ومن ثم تتحدد أسئلة المشکلة فی:

  1. ما منظور الأدبیات لتعلیم الظل؟
  2. ما الوضع الراهن لتعلیم الظل فی الصین؟ وما القوة والعوامل الثقافیة المؤثرة فیه؟
  3. ما المعطیات والدروس المستخلصة من خبرة الصین فى تعلیم الظل، بناء على تقییمها فی ضوء الأدبیات؟
  4. ما الإطار المقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة فی ضوء الإطار النظری وخبرة الصین؟

حدود البحث:

سیقتصر البحث على ما یلی:

  1. الحدود الموضوعیة، وتتضمن:

-        القوة الفاعلة فی تعلیم الظل.

-        حجم تعلیم الظل.

-        أشکال تعلیم الظل.

-        معلم تعلیم الظل.

-        سیاسات تعلیم الظل.

  1. الحدود المکانیة، یقتصر البحث الراهن وفقًا لمدخله البحثی (الدراسة القطریة) على دولة الصین؛ وذلک باعتبارها دولة حققت نجاحًا کبیرًا فی التعامل مع تعلیم الظل من خلال السیاسات والتدابیر التی اتخذتها، وتتضمن خبرة الصین فی هذا المجال: حجم وطبیعة الدروس الخصوصیة ومؤشرات العرض والطلب علیها، وتبنی سیاسات الحکومة الصینیة لمنطق السوق تجاه التعامل مع هذا النوع من التعلیم. وعلى الرغم من مرکزیة قوانین وإجراءات الدولة فی توفیر التعلیم الأساسی الإلزامی لمدة تسع سنوات، والتنمیة المهنیة للمعلمین، ومؤهلاتهم، وسلوکیاتهم الأخلاقیة فی مدارس التعلیم الرسمی (النهاریة)، إلا أن الرقابة المباشرة على الدروس الخصوصیة تؤول للوزارات المحلیة على مستوى المحافظات والبلدیات، والتی تسمح بتشغیل الدروس الخصوصیة بصورة تجاریة، اعتمادًا على سیاسة عدم التدخل، حیث یتم تسجیل مراکز الدروس الخصوصیة فی الصین کنوع من الشرکات التجاریة لدیها شهادات رسمیة فی التجارة وأمور الضرائب.

أهداف البحث:

یهدف البحث إلى ما یلی:

1-   الوقوف على الأسس النظریة لتعلیم الظل من منظور الأدبیات.

2-   التعرف على واقع خبرة الصین لتعلیم الظل، فی سیاق الظروف المجتمعیة للمجتمع الصینی.

3-   التوصل إلى مجموعة معطیات مستخلصة من خبرة الصین فی تعلیم الظل، بناء على تقییمها فی ضوء الأدبیات.

4-   طرح إطار مقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة، فی ضوء الإطار النظری وخبرة الصین، وبما یتفق مع ظروف المجتمع المصری ومعطیاته الثقافیة.

أهمیة البحث:

تتمثل أهمیة البحث فیما یلی:

1-   یأتی البحث کاستجابة لتنامی انتشار تعلیم الظل، لیصبح ظاهرة عالمیة ینبغی الوقوف على أسبابها ومحدداتها، خاصة وأن الدروس الخصوصیة ظاهرة بالغة التعقید، تتداخل بها عناصر متعددة تختلف باختلاف الثقافات والسیاقات والموقع الجغرافی والطبقات الاجتماعیة. کما أن التحول نحو تطبیق مفهوم السوق فی التعلیم، یطرح المزید من التساؤلات حول جهود الحکومات فی تحقیق التوازن بین العام والخاص فی قطاع التعلیم والتعامل مع الدروس الخصوصیة وفق منطق ومتغیرات السوق.

2-   ما قد یقدمه البحث الحالی من أطر نظریة وخبرة تطبیقیة یمکن أن تسهم فی تحقیق التقارب بین تعلیم الظل ونظم التعلیم الرسمیة، مما قد یحد من سلبیات تعلیم الظل ویزید من إیجابیات وجودة التعلیم الرسمی.

3-   ما یتوصل إلیه البحث من ممارسات ـ من خلال الإطار المقترح ـ والتی قد تفید القائمین على سیاسات التعلیم فی مصر، وغیرهم من أصحاب المصلحة، فی تبنی رؤیة توفیقیة بین الدروس الخصوصیة والتعلیم العام (الرسمی)، والتی من شأنها دعم جودة التعلیم المصری بشکل عام، وتحقیق طموحات وحاجات الطلاب التعلیمیة والأکادیمیة على وجه الخصوص.

 

 

 

منهج البحث وخطواته:

ثمّة تحدیات منهجیة رئیسة تواجه الباحثین فی مجال تعلیم الظل عند اتخاذهم قرارات تتعلق بالجوانب البحثیة التالیة ([21]):

-        ترکیز البحث والاستقصاء؛ بمعنى أن نطاق وأهداف البحث یمکن أن تکون مشتتة ومتفرقة، نظرًا لأن موضوع تعلیم الظل جدید نسبیًّا فی البحث، فالباحثون فی تعلیم الظل لم یستخدموا دائمًا مصطلحات ثابتة، مما قد أوجد صعوبات فی مقارنة نتائجهم البحثیة.

-        تأمین البیانات، ویرتبط بتصمیم البحث، واختیار الأدوات وجمع البیانات، وفی هذا الجانب ثمّة صعوبات ناجمة عن حساسیة موضوع تعلیم الظل، لأن المشارکین فی تعلیم الظل قد یکونوا غیر مرحبین ـ لاعتبارات عدیدة ـ بالفحص والتدقیق.

-        تفسیر البیانات، بمعنى تحلیل البیانات، والتی تأخذ فی الاعتبار السیاق والعوامل الأخرى ذات الصلة، فالأمر لا یقتصر فقط على السیاق الکلی عند تحلیل البیانات، بل یتجاوز ذلک إلى السیاق الجزئی، والذی یشمل قرارات الطلاب وأولیاء الأمور بشأن تعلیم الظل وفقًا لاعتبارات عدة منها: ضغط الأقران وتوافر المدرسین الخصوصیین.

فی ضوء طبیعة هذا البحث وأهدافه؛ ونظرًا للتحدیات المنهجیة السابق الإشارة الیها، یتبنى البحث الراهن صیغة من صیغ الدراسات التربویة المقارنة المتعارف علیها؛ وهی: صیغة الدراسة القطریة Single-Nation Study. وبناء على ذلک یسیر البحث الراهن وفقًا للإجراءات المنهجیة الآتیة:

1-   تحلیل منظور الأدبیات لتعلیم الظل، واستنتاج المعطیات والمؤشرات النظریة الحاکمة له.

2-   وصف لواقع خبرة الصین فی تعلیم الظل، وبیان تأثیر السیاق الثقافی للمجتمع الصینی على هذا الواقع.

3-   تقییم خبرة الصین فی تعلیم الظل، فی ضوء المعطیات والمؤشرات النظریة المستخلصة من الأدبیات.

4-   طرح إطار مقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة، فی ضوء الخبرة الصینیة وبما یتناسب مع الواقع المصری ومعطیاته الثقافیة.

القسم الثانی: الأسس النظریة لتعلیم الظل

یتناول هذا القسم الأسس النظریة لتعلیم الظل؛ من حیث: مفهوم تعلیم الظل، القوى الفاعلة فی تعلیم الظل، حجم تعلیم الظل، أشکال تعلیم الظل، معلم تعلیم الظل، سیاسات مواجهة تعلیم الظل؛ وذلک وصولًا لمجموعة من المعطیات والمؤشرات النظریة الحاکمة لتعلیم الظل فی عالمنا المعاصر.

أولًا ـ مفهوم تعلیم الظل:

یشهد السیاق التربوی والتعلیمی ـ على مستوى العالم ـ منذ مطلع القرن العشرین توسعًا متنامیًا لما یطلق علیه تعلیم الظل للدروس الخصوصیة التکمیلیة The shadow education of private supplementary tutoring أو یطلق علیه إیجازًا "تعلیم الظل".

ویعتبر ماریموثو وآخرون “Marimuthu et al“أول من استخدموا مصطلح تعلیم الظل، وذلک فی عام 1991؛ لوصف الدروس الخصوصیة، کما عرفه ستیفنسون وبیکر فی دراسة عن الطبقات التعلیمیة فی المجتمع الیابانی “Stevenson and Baker” عام 1992 بأنه: مجموعة من الأنشطة التعلیمیة خارج التعلیم الرسمی، والتی تم تصمیمها لتحسین فرص الطلاب على الانتقال بنجاح خلال عملیة توزیعهم ([22]) کما یعبر تعلیم الظل عن الدروس التکمیلیة المعروضة ـ سعیًا للربح ـ خارج المدارس الرسمیة (حکومیة أو خاصة) من أجل مساعدة التلامیذ فی مقرراتهم الدراسیة أو إعدادهم لمختلف الامتحانات ([23]).

واستعارة کلمة "الظل" للتعبیر عن هذا النمط من التعلیم هی استعارة مناسبة لعدة اعتبارات؛ فالدروس الخصوصیة تحاکی تیار التعلیم الرسمی، وهکذا عندما تتغیر المناهج الدراسیة فی التعلیم الرسمی، تتغیر مناهج تعلیم الظل، وعندما یتغیر شکل وحجم النظام التعلیمی السائد فمن ثمّ شکل وحجم الدروس الخصوصیة یتغیر أیضًا. ویمکن للظل أیضًا أن یکون مفیدًا، فکما أن الظل فی الساعة الشمسیة یمکنه أن یشکل دلیلًا لتحدید تغیرات الوقت، فیمکن للظل فی النظام التعلیمی أن یشکل دلیلًا لتحدید التغیرات التی تطرأ فی المجتمعات ([24]).

وعلى الرغم من استعارة کلمة "الظل" التی تعنی أن الدروس الخصوصیة تتبع نظام التعلیم الرسمی ـ کما تم الإشارة سابقًا ـ إلا أن بعض المدرسین الخصوصیین تقدم التعلم سلفًا “Learning in advance”، حیث یتلقى الطلاب دروسهم الخصوصیة خلال شهری العطلة الصیفیة قبل بدایة العام الدراسی، وأثناء العام الدراسی یسیرون قدمًا فی مناهجهم الدراسیة، مما قد یشکل صعوبة لمعلمی المدارس، حیث یجدون أن بعض طلابهم قد تعلموا بالفعل المادة العلمیة المقدمة لهم فی فصولهم الدراسیة ([25]).

وعلى الأرجح فتاریخ تعلیم الظل قدیم قدم تاریخ التعلیم الرسمی، ففکرة السعی لتقدیم مساعدات إضافیة للأطفال والشباب لمواکبة أقرانهم و/ أو لیمتد تعلیمهم قد ظهرت منذ فترة طویلة، إلا أن الدروس الخصوصیة فی العقود والقرون السابقة کانت متواضعة فی حجمها، وتقتصر بشکل رئیس على الأسر الثریّة نسبیّا. وفى العصور الحدیثة، شمل تعلیم الظل مدًى أوسع وأکثر تنوعًا من فئات الدخل، وأصبح ظاهرة رئیسة فی جمیع أنحاء العالم ([26]).

ومرد هذا الانتشار عالمیًّا وبین أطیاف المجتمع المختلفة، وعی الشباب والأسر بأن مستوى الإنجاز فی نظام التعلیم الرسمی یشکل فی المقام الأول فرصهم المتاحة للحیاة المستقبلیة؛ فالشباب جیدو الأداء المدرسی تتزاید إمکانیة التحاقهم بالمؤسسات الجامعیة والتعلیمیة العلیا، وبالوظائف ذات الأجر المناسب لاحقًا. فی حین أن نظراءهم ممن یؤدون بشکل متواضع لدیهم احتمالات وفرص اقتصادیة محدودة مستقبلًا، ویزید الوعی بهذه الحقیقة من الضغوط النفسیة والاقتصادیة على الشباب وأسرهم. وإلى جانب لوائح وإجراءات نظم المدارس الرسمیة، تنامت ظاهرة تعلیم الظل کوسیلة لتقلیل تلک الضغوط على الشباب وأسرهم.

وتوثق البحوث والدراسات التربویة نمو تعلیم الظل عالمیًّا، وفى النظم الوطنیة للتعلیم، وتحدد أنشطة التعلم التی یمکن اعتبارها تعلیمًا للظل من خلال أنها: ([27])

         ‌أ-         إضافیة/ تکمیلیة supplement: فتعلیم الظل هو تکمیلی أو إضافی فی طبیعته؛ لأنه یتناول ویعالج موضوعات دراسیة تُعطى بالفعل فی المدرسة.

       ‌ب-       تسویقیة Market: حیث یقدم تعلیم الظل کخدمة مدفوعة الأجر من قِبل الأسر فی شکل دروس خصوصیة.

        ‌ج-       أکادیمیة Academic: حیث یغطی تعلیم الظل الموضوعات الدراسیة النظریة والأکادیمیة، والتی تتضمن اللغات والریاضیات وغیرها من الموضوعات والمقررات الأخرى التی یختبر فیها الطلاب. ولکنه لا یشمل المهارات الموسیقیة أو الریاضیة التی یتم تعلمها فی الأساس من أجل المتعة و/ أو باعتبارها شکل من أشکال تنمیة الشخصیة.

وعلى مدى العقود القلیلة الماضیة، أصبح تعلیم الظل صناعة خدمیة عالمیة تدر ملیارات الدولارات، من خلال ما تقدمه من خدمات تعلیمیة، تتراوح من فصول ما بعد المدرسة  School classesـafter إلى مجموعة من الخیارات المتاحة على الإنترنت. وقد أصبح تعلیم الظل من المعیاریة إلى حد کونه بمثابة مؤسسة شریکة فی التعلیم الرسمی نفسه، مما زاد من اهتمام واضعی السیاسات التعلیمیة، وذلک لأن تعلیم الظل هو خدمة خاصة ـ تقدم لقاء مقابل مادی ـ ویشتمل على المواد والموضوعات التی یتم تدریسها فی التعلیم العام، وبذلک فهو مصدر محتمل للمیزة التعلیمیة المکتسبة، إلا أنه فی الوقت نفسه قد یسهم فی الحفاظ على، أو تفاقم اللامساواة التعلیمیة ([28]).

ثانیًا ـ القوى الداعمة فی تعلیم الظل:

إذا کان تعلیم الظل بمثابة جزء من تحول عالمی لإحداث التوازن بین العام والخاص فی قطاع التعلیم ـ سواء لشعور الطلاب وأولیاء الأمور بعدم وفاء التعلیم الرسمی لکل احتیاجاتهم و/ أو نتیجة للاستثمار فی هذا النوع من التعلیم ـ فیمکن القول بأن تعلیم الظل هو بمثابة المرآة التی تعکس وتکشف التأثیرات الخفیة لتسویق التعلیم، وفى ضوء هذه الفکرة یمکن عرض القوى (الداعمة) المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة من خلال البُعدین التالیین:

البُعد الأول ـ تسویق التعلیم ـ رؤى متغیرة لأزمنة متغیرة:

من بین التحولات الکبرى فی السیاسات العالمیة بوجه عام، وفى قطاع التعلیم بوجه خاص، یمکن رصد أهم الرؤى المتغیرة حول بعض القضایا التربویة، والتی کان لها آثارها الملحوظة الفاعلة على التوسع وانتشار تعلیم الظل، وذلک على النحو التالی:

  1. تمویل التعلیم: عکس التحول فی تمویل التعلیم صعود اللیبرالیة الجدیدة، والتی تعبر عن مجموعة من المداخل الکلیة للسیاسات الاقتصادیة التی برزت فی بعض السیاقات، خلال ثمانینیات القرن الماضی وانتشرت فیما بعد فی جمیع أنحاء العالم؛ حیث أدى تطبیق اللیبرالیة الجدیدة فی مجال التعلیم إلى تضاؤل دور الدولة قابَلَه توسعًا فی دور القطاع الخاص. ویرى المؤیدون لتعاظم دور السوق فی التعلیم أن اقتصاد السوق من شأنه تعزیز کفاءة التشغیل والمساءلة من قبل المستهلکین ([29]).

وخلال العقود الأولى بعد الحرب العالمیة الثانیة، کانت وجهة النظر السائدة والمنصوص علیها ـ على سبیل المثال ـ فی الإعلان العالمی لحقوق الإنسان (المادة 26) أن التعلیم حق من حقوق الإنسان، وینبغی أن یقدم مجانًا ویتم توفیره من قبل الحکومات. وعلى الرغم من أن البعض ما یزال یتمسک بوجهة النظر هذه، إلا أن هناک البعض الآخر الأکثر تقبلًا لإمکانیة إحلال القطاع الخاص کبدیل للقطاع العام و/ أو تقاسم التکالیف والشراکات بین قطاعی التعلیم العام والخاص ([30]).

وقد أکدت الیونسکو فی السیاق ذاته على إعادة التصورات حول التعلیم من منظور عالمی جدید، والحاجة إلى إعادة النظر لیس فقط فی أهداف التعلیم، بل أیضًا فی کیفیة تنظیمه. وفى ضوء تنوع الشراکات وضبابیة الحدود الفاصلة بین القطاعین العام والخاص، فثمّة ضرورة لإعادة التفکیر فی المبادئ الموجهة لإدارة التعلیم، وعلى وجه الخصوص، المبدأ المعیاری للتعلیم کسلعة عامة، وفهم ذلک فی سیاق متغیر للمجتمع والدولة والسوق ([31]).

ویحدد "بول ویودل" Ball and Youdell فئتین من الخصخصة فی قطاع التعلیم ـ والتی توصف بالداخلیة والخارجیة ـ تصبح المدارس مثل قطاع الأعمال Business-life، حیث یتم على سبیل المثال ربط نظام الأجور بمستوى الأداء، ومعاملة الطلاب باعتبارهم عملاء تتخذ کافة التدابیر لإرضائهم. وفی الفئة الثانیة تکون المبادرات التی تجلب القطاع الخاص إلى المدارس العامة، من خلال التعاقد على خدمات معینة وغیرها من الشراکات بین قطاعی التعلیم العام والخاص من مختلف الأنواع (والدروس الخصوصیة) خیر مثال على ذلک. کما لاحظ "بول ویودل" أن سوق التعلیم لم یعد مجرد مسألة اختیار وتنافس بین مؤسسات التعلیم، بل هو نظام منتشر وواسع ومتطور من الخدمات والخبرات والمسارات، والتی تقدم سواء بشکل عام أو بشکل خاص ([32]).

  1. تلبیة حاجات الطلاب: تتمثل أهم مفاتیح تسویق الأعمال فی قدرة المدیرین على تحدید وتلبیة حاجات ومطالب العملاء. وینطبق ذلک أیضًا على الدروس الخصوصیة بقدر ما ینطبق على الأنواع الأخرى من الأعمال، ومن ثم یکون السؤال: ما حاجات الطلاب التی لم تلبیها مدارسهم الرسمیة، والتی یمکن أن تحققها الدروس الخصوصیة؟

ولتحدید هذه الحاجات، یمکن الاعتماد على هرم ماسلو الکلاسیکی للحاجات، ففی المستوى الأساسی نجد ما أسماه ماسلو الحاجات الفسیولوجیة، یلیها فی الترتیب حاجات السلامة، الحاجات الاجتماعیة، والحاجة للتقدیر، وأخیرًا الحاجة لتحقیق الذات. وقد استخدم العدید من الکتاب هذه الحاجات فی قطاع التعلیم ولا سیما تعلیم الظل على النحو التالی ([33]):

-        الحاجات التعلیمیة الأساسیة: حیث تلبی الدروس الخصوصیة ما یمکن وصفه بالحاجات التعلیمیة الأساسیة للطلاب، والتصورات المبدئیة للطلاب عن تلک الحاجات عادةً ما تکون مرتبطة بنوعیة ومحتوى التعلیم؛ حیث یرى غالبیة الطلاب أنهم یفتقرون إلى تعلم ذی معنى فی المدرسة بسبب مجموعات النقاش غیر الفعّالة، ونقص التغذیة الراجعة من المعلمین، فضلًا عن تدریس محتوى تعلیمی غیر ذات صلة.

-        حاجات السلامة: فتدریس موضوعات جدیدة بأسالیب مغایرة قد یدعو الطلاب إلى مزید من الشعور بالقلق بسبب التحول فی التدریس المعتمد على المعلم فی کل شیء، إلى الاعتماد على مسارات التفکیر النقدی لدى الطلاب، ویستفید مقدمو الدروس الخصوصیة من هذا القلق للتوسع فی تسویق خدمات الدروس الخصوصیة.

-        الحاجات الاجتماعیة: على النقیض من الشکوى بأن المعلمین لا یمکن الاقتراب منهم، یشعر الطلاب بارتیاح کبیر من قنوات التواصل مع مدرسیهم الخصوصیین؛ حیث یمکن التواصل معهم عبر الفیس بوک والذی یحظى بشعبیةٍ کبیرة بین الطلاب. کما یمکن أیضًا للطلاب استخدام البرید الإلکترونی، وقد یظل المعلم بعد انتهاء الدرس الخصوصی لتلقی الأسئلة من طلابه والإجابة علیها.

-        حاجات احترام الذات؛ لتعزیز شعور الطلاب بالتفوق فی صفوفهم الدراسیة، یقدم لهم مدرسوهم الخصوصیون مفاتیح التمیز فی المواد الدراسیة.

-        حاجات تحقیق الذات: وتتضمن فکرة تطویر الذات وإدراک إمکاناتها الکاملة، حیث یُظهِر بعض الطلاب دافعیة ذاتیة قویة، ومن ثم قد یطلب بعضهم المزید من الواجبات المنزلیة، أو یسعون لاکتساب معلومات تکمیلیة أکثر تحدیًا لمدرسیهم الخصوصیین.

  1. الثقافة: غالبًا ما کانت العوامل الثقافیة الواسعة فی خضم النقاش وتفسیر مبررات ظهور الدروس الخصوصیة بقوة فی بعض أجزاء من العالم عن غیرها، وکثیرًا ما تم الاستشهاد على سبیل المثال بتأثیر الثقافة الکونفوشیوسیة فی شرق وجنوب آسیا. وعلى الرغم من أن الثقافات دائمًا ما تتفاوت فیما بینها لوجود عوامل أخرى، إلا أن تلک الثقافات تتشکل على نحو متزاید من قبل قوى العولمة، ویصبح انتشار الدروس الخصوصیة (تعلیم الظل) عالمیًّا بمثابة جزء من ثقافة واسعة للتعلیم الرسمی. فالاستخدام العالمی لتعلیم الظل یدفعه لیکون المنطق المهیمن للتوسع التعلیمی فی کل أشکاله. وباعتبار أن الالتحاق بالتعلیم الرسمی والنجاح الأکادیمی هو الضامن الرئیس للوصول إلى والحصول على المکانة الاجتماعیة والمهنیة، من ثمّ یصبح تعلیم الظل أکثر شیوعًا وانتشارًا کسمة ثقافیة متوقعة ومقبولة للتعلیمAn accepted and expected cultural aspect of    education ([34]).
  2. نقاط التحول فی نظم التعلیم: ویقصد بنقاط التحول الصفوف الدراسیة التی تنقل الطلاب من مستوى تعلیمی إلى مستوى تعلیمی أعلى، حیث تتخذ عندها القرارات من قبل المدارس ومسئولی التعلیم، حول من سیسمح لهم من الطلاب بالمضی قدمًا فی نظام التعلیم، ومن سیکون خارج سلم التعلیم منهم. والأسر التی لا ترغب فی خروج أبنائها من نظام التعلیم قد تستثمر فی الدروس الخصوصیة لتضمن مکان فی المنافسة التعلیمیة، فالآثار المترتبة على کل مسار تعلیمی مؤثرة جدًّا بالنسبة للمهن مستقبلًا، ولأن اختبار إتمام المرحلة الابتدائیة هو المحدد الرئیس للمسارات التی سیجد الطلاب أنفسهم فیها، فالعدید من الآباء یستثمرون فی الدروس الخصوصیة للمرحلة الابتدائیة. وفی أنظمة أخرى تکون المرحلة الرئیسیة المحددة لمستقبل الطلاب هی المرحلة الثانویة العلیا. وتشهد بعض الأنظمة ضغطًا کبیرًا فی هذه المرحلة؛ لقلة عدد الأماکن المتاحة فی مرحلة ما بعد الثانوی، ومن ثمّ فالفرص محدودة أمام الطلاب للالتحاق بمؤسسات التعلیم الجامعی والعالی. ویفترض المراقبون ـ بشکل عام ـ أن التوسع وزیادة الأماکن المتاحة أمام الطلاب فی مرحلة ما بعد الثانوی من شأنه أن یخفف من حدة الطلب على الدروس الخصوصیة. وقد یحدث ذلک بالفعل فی بعض الأنظمة ولکنه لیس نمطًا عالمیًّا، وسیتغیر فقط السؤال بالنسبة للأسر من "مکان فی الجامعات أو لا مکان" إلى "أی مکان جامعی متاح" ([35]).

وهکذا یمکن القول: إن معظم الأسر لدیها انطباع قویّ بالعلاقة الطردیة بین مدة البقاء فی نظام التعلیم والمستوى الاقتصادی والاجتماعی لأبنائهم. وإن کان قلیل من الآباء قد قرأ حول الاستثمار ومعدلات العائد من التعلیم، فإن أغلبهم یدرک أن کلما مکث الفرد فترة أطول فی التعلیم، وکلما کانت نوعیة هذا التعلیم أفضل، کلما زادت الاحتمالات والفرص لمستوى معیشی ومهنی أفضل، والعکس صحیح حیث تدرک الأسر أن الأداء المنخفض فی صفوف الدراسة والامتحانات یرتبط بانخفاض فرص العمل وتدنی المستوى المعیشی لأولادهم.

البُعد الثانی ـ مؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة:

على الرغم من تعدد وتباین مبررات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة من سیاق لآخر، إلا أن الدروس الخصوصیة أصبحت ـ بوجه عام ـ ضرورة؛ بسبب ضعف فعالیة وتدنی جودة التعلیم المدرسی، وإسهامها إلى حد کبیر فی تحسین المستوى التعلیمی العام فی مجتمع معین.

 

ویوضح الشکل التالی المکونات الضمنیة المؤثرة على العرض والطلب للدروس الخصوصیة.

 

 

 

 

 

 

شکل یوضح

المکونات الضمنیة المؤثرة على العرض والطلب للدروس الخصوصیة *
ویتضح من الشکل السابق المکونات؛ سواء البشریة، أو المادیة والتعلیمیة، التی یمکن أن یحد تأثیرها على فاعلیة العملیة التعلیمیة والعلاقات بین الطلاب ومعلمیهم بمؤسسات التعلیم الرسمیة. مما یعزز ویدعم مبررات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة من قبل الطلاب وأسرهم.

ویعرض البحث تفصیلًا لمؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة على النحو التالی:

         أ‌-         متغیرات السوق ومؤشرات العرض للدروس الخصوصیة:

یتم توفیر الدروس الخصوصیة من قبل مجموعة متنوعة من مقدمی الخدمة، والتی تمتد من الطلاب الأکبر سنًّا وأفراد الأسرة ومعلمی الصفوف الدراسیة إلى الامتیازات العالمیة global franchises للشرکات على الإنترنت. ووفقًا لمنطق السوق ومتغیراته، فقد ظهر نموذج الامتیاز للدروس الخصوصیة فی العدید من البلدان؛ فعلى سبیل المثال، تصف شرکة Kumon نفسها بأنها تقدم أکبر برنامج فی العالم للریاضیات، وإثراء القراءة بعد المدرسة The world’s largest after-school math and reading enrichment program ([36]). وعلى الرغم من أن المقر الرئیس للشرکة یقع فی الیابان، إلا أنها تقدم خدماتها فی 46 دولة أخرى، تضم الصین والهند وإندونیسیا وجمهوریة کوریا ومالیزیا والفلبین وسنغافورة وسیریلانکا وتایلاند وفیتنام ([37]).

أما مؤسسة Kip Mc Grath ومقرها أسترالیا، فلدیها امتیازات فی 20 دولة عام 2012 تضمنت إندونیسیا وسنغافورة. وقد تکون هذه الشرکات ذات طابع محلی ـ بشکل رئیس ـ من حیث اهتماماتها، ولکنها ما تزال تعمل کسلسلة من المتاجر chain of stores؛ لتقدیم خدمات الدروس الخصوصیة فی سیاقات متعددة ([38]).

وفى هونج کونج ارتفع عدد منافذ سلاسل الدروس الخصوصیة من 38 عام 2005 إلى 106 من عام 2009. وضمت هذه المنافذ 54% من الطاقة الاستیعابیة للدروس الخصوصیة فی المرحلة الثانویة. کما أن أکثر من نصف هذه الطاقة الاستیعابیة تدفعها ست شرکات أخرى، أصبحت واحدة منها مدرجة فی بورصة هونج کونج للأوراق المالیة عام 2011 ([39]).

ومن ثمّ، وفی جانب العرض، تحدد المؤشرات التالیة مدى وفرة وغزارة الدروس    الخصوصیة ([40]):

-        الوصول Accessibility والترویج للأنواع المختلفة من الدروس الخصوصیة والمدرسین من خلال وسائل الإعلام والإنترنت.

-        المرونة Flexibility وإمکانیة تقدیم الدروس الخصوصیة المنزلیة، وتوفیر عدد کبیر من خیارات الأماکن والدروس الخصوصیة.

-        التسویق Marketability وما یوفره السوق من خیارات ممکنة للأنماط المرغوبة من المدرسین وموضوعات الدروس والرسوم المعقولة للدروس الخصوصیة (حیث تقاس التکلفة فی الساعة، أو لکل مقرر، أو شهریًّا).

-        الإحالة transferability وترتبط بتحویل رسوم الدروس الخصوصیة فی حسابات مصرفیة خاصة، لا سیما الدروس الخصوصیة الإلکترونیة.

-        درجة حوکمة الدولة (محلیًّا أو مرکزیًّا) Degree of (local or central) state governance نحو أنماط الدروس الخصوصیة، والمدرسین، وأماکن ووسائل تقدیم خدمات الدروس الخصوصیة.

وإجمالًا یمکن القول إن العرض لیس مجرد استجابة للطلب على الدروس الخصوصیة، بل قد یولد العرض الطلب علیها. وقد یرجع ذلک لظهور المزید من مقدمی الخدمة وتنوع ما یوفرونه من حیث الأسلوب والموضوعات والمکان، فضلًا عن التکلفة مما یصعب من استیعاب الطلاب لما یقدمه معلموهم فی فصول الدراسة، ومن ثم السعی للالتحاق بالدروس الخصوصیة ـ حتى من لم یسعَ لذلک سابقًا ـ حتى لا یکونوا فی وضع تنافسی غیر ملائم.

       ب‌-       متغیرات السوق ومؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة:

لفهم الدوافع والمبررات وراء الطلب على الدروس الخصوصیة، ینبغی أن یوضع فی الاعتبار أولیاء الأمور والطلاب ـ فی المقام الأول ـ حیث هم المستفیدون أو المستهلکون لهذه الخدمة. وقد تناولت العدید من الدراسات أسباب التحاق الطلاب بالدروس الخصوصیة؛ حیث یرى Bray and Lykins أن أسباب تلقی الدروس الخصوصیة ([41]):

-        مناقشة أسئلة الامتحان وأجوبتها فی صفوف الدروس الخصوصیة.

-        توفیر مزید من التمارین والتدریبات التی لا تقدم فی المدارس.

-        التغطیة الکاملة لموضوعات المنهج لا یتم تغطیته فی المدرسة.

-        صعوبة فهم ما یتم شرحه وتدریسه فی المدارس.

-        تغطیة ما یتم تجاهله من موضوعات فی المدرسة نتیجة الانخراط فی الأنشطة اللامنهجیة.

-        التعلیمات المقدمة فی الدروس الخصوصیة حول کیفیة الإجابة على الأسئلة.

-        استجابة لرغبات الآباء.

-        الاستمتاع والمرح فی فصول الدروس الخصوصیة.

-        تجنب فقدان محاباة وتأیید معلم المدرسة عندما یکون هو من یقدم الدروس الخصوصیة.

-        حضور الزملاء والأقران الدروس الخصوصیة.

أما Cook فیقرر أن التحاق الطلاب بالدروس الخصوصیة یأتی نتیجة([42]):

-        رغبة الطالب فی الذهاب.

-        الطالب لا یدرس عندما یکون بمفرده.

-        عدم قدرة الآباء على مساعدة أبنائهم فی الواجبات المنزلیة.

-        التدریس أکثر إثارة للاهتمام فی الدروس الخصوصیة.

-        من خلال المدرسة وحدها، لن یلتحق الطالب بالمدرسة أو الجامعة المرغوبة.

-        التدریس أکثر توجهًا نحو الاحتیاجات الفردیة.

-        التحاق الأقران بالدروس الخصوصیة.

-        لا یمکن متابعة العملیة التعلیمیة بالصف الدراسی.

-        الترشیح للدروس الخصوصیة من قبل المعلمین.

ویشیر کل من Kassotakis and Verdis إلى أن معظم الطلاب یحضرون الدروس الخصوصیة لأنهم یرغبون فی ([43]):

¨      الحصول على مساعدة إضافیة من أجل تحسین أدائهم وإعداد أنفسهم بصورة أفضل لامتحانات القبول فی الجامعات.

¨      ملء فجوات التعلم نتیجة أوجه القصور والضعف فی المدارس الرسمیة.

¨      الحصول على التشجیع من أجل تعزیز ثقتهم بأنفسهم والتعامل بنجاح مع امتحانات عالیة التنافسیة.

¨      تحسین مهاراتهم الدراسیة.

¨      أن یکونوا فی مناخ ودی یمکنهم من الشعور بالراحة أکثر من مدارسهم.

¨      عدم الشعور بالحرمان والنقص مقارنة مع غیرهم ممن یتلقون دروسًا خصوصیة.

¨      طاعة أولیاء الأمور فی ضغطهم على أبنائهم للالتحاق بالدروس الخصوصیة.

وتتفق الدراسات السابقة ـ فی مجملها ـ على أن أهم مبررات الطلب على الدروس الخصوصیة أنها أکثر توجهًا نحو العمیل (أولیاء الأمور والطلاب) من التعلیم الرسمی. فإذا کانت المدارس تتجاهل ـ لسبب أو لآخر ـ رغبات طلابها واحتیاجاتهم الفعلیة، وإذا کانت خیارات الطلاب وفرصهم ضئیلة حول من یقوم بتدریسهم، وما یتاح لهم من قنوات للتعبیر عن أنفسهم وعن أنماطهم المفضلة للتعلم، فإن الدروس الخصوصیة ـ ووفقًا لمنطق السوق ـ تمکن الطلاب من اختیار معلمیهم الذین یحرصون بدورهم على الاستجابة لاحتیاجات الطلاب من أجل جذب المزید منهم.

کما تتفق الدراسات أیضًا فی الإشارة إلى رغبة أولیاء الأمور بإلحاق أبنائهم بالدروس الخصوصیة، وإن کان یختلف المبرر لذلک باختلاف المستوى الاقتصادی والاجتماعی للأسر؛ فالأسر الطموحة والنخبویة فی جمیع أنحاء العالم تلحق أبناءها بالدروس الخصوصیة کاستثمار طویل المدى فی رأس المال البشری والاجتماعی، حیث یتمکن الأبناء من الأداء بشکل أفضل فی المدرسة، وترتفع معدلات بقائهم فی نظام التعلیم لفترات أطول.

أما الأسر فی المجتمعات ذات الدخل المنخفض، فیلحق أولیاء الأمور أبناءهم بالدروس الخصوصیة ضمانًا لعدم تعرض أطفالهم للمضایقات من قبل معلمی المدرسة ـ خاصة إذا کان هؤلاء المعلمون هم أنفسهم من یقدمون الدروس الخصوصیة ـ وعدم تقدیم الشرح الوافی لهم أثناء الصفوف الدراسیة. وعلاوة على ذلک، ولأن للمعلمین السیطرة على امتحانات نهایة العام وتحدید من ینتقل من الأطفال من صف دراسی إلى صف دراسی أعلى، فإن الآباء على وعی بأنهم إن لم یلحقوا أبناءهم بالدروس الخصوصیة فاحتمال رسوبهم کبیر. ومن خلال معادلة حسابیة بسیطة یرون أن رسوم الدروس الخصوصیة هی أقل تکلفة من إعادة الصف الدراسی It’s less expensive to pay for the tutoring than to pay costs of repeating a year ([44]).

وتقرر الدراسات أیضًا فی عرضها لمبررات الطلب على الدروس الخصوصیة بما یسمى ضغط/ أو تأثیر الأقران، فهناک من الطلاب من یلتحق بالدروس الخصوصیة لأن زملاءهم یفعلون ذلک.

ومن ثمّ، وفی جانب الطلب، تحدد المؤشرات التالیة مدى قوة الطلب على الدروس الخصوصیة ([45]):

-        القدرة على تحمل التکلفة affordability للدروس الخصوصیة سواء على مستوى الأسرة، أو الدعم الحکومی لتکلفة الدروس المسائیة التی تشرف علیها المدارس الرسمیة، أو مراکز المجتمع.

-        القصور insufficiency فی مقابلة حاجات التعلم الفردی للطلاب على مستوى الأسرة، الفصول الدراسیة والمدارس.

-        درجة اللامرکزیة السیاسیة فی طرق التقییم، وحجم الفصول، والمناهج القائمة على المدرسة، والظروف المادیة للمعلمین. بدءًا من المستویات المرکزیة والمحلیة، إلى مستوى المدارس.

وإلى جانب أولیاء الأمور والطلاب، وعلى نطاق أکثر اتساعًا، یظهر الدافع وراء الطلب على الدروس الخصوصیة نتیجة الضغوط التنافسیة ومتغیرات السوق فی عالم یزداد عولمة. حیث یتنامى اهتمام العدید من الحکومات بالتصنیف فی التقییمات عبر الوطنیة، مثل ([46]):

-         البرنامج الدولی لتقییم الطلاب التابع لمنطقة التعاون الاقتصادی والتنمیة.

The Program for International Student Assessment (PISA)

-        الاتجاهات فی دراسة العلوم والریاضیات العالمیة من الرابطة الدولیة لتقییم الإنجاز التعلیمی The trends in International Mathematics and science study (TIMSS)

-        اتحاد جنوب وشرق أفریقیا لمراقبة الجودة التعلیمیة The Southern and Eastern Africa Consortium for monitoring educational Quality (SACMEQ)

وترى الحکومات التعلیم کأداة للقدرة التنافسیة فی الأسواق الدولیة، وتترجم هذه الرؤیة إلى ممارسة الضغوط على الشباب لتحقیق الإنجازات grades الأعلى بکل الوسائل، بما فی ذلک الدروس الخصوصیة.

وبقولٍ آخر، نتج عن ترتیب وتصنیف أنظمة التعلیم الوطنیة وفقًا لإنجازات الطلاب الذین یختبرون من خلال أدوات موحدة ومعیاریة، زیادة الطلب على تعلیم الظل بطریقتین: أولًا ـ أن النموذج العالمی للتعلیم نموذج عالمی للظل، یحاول من خلاله الآباء البحث عن آلیات وطرق لاستکمال التعلم المدرسی، من أجل رفع مستوى إنجازات أبنائهم فی الاختبارات المدرسیة. ثانیًا ـ أدى تصنیف أنظمة التعلیم عالمیًّا إلى تأجیج التنافسیة والقلق العام الذی ألقى بظلاله على المدارس والأسر للبحث عن طرق تعزیز التحصیل العلمی للطلاب، بما فی ذلک الاستعانة بالدروس الخصوصیة ([47]).

ومن خلال استعراض الرؤیة المتغیرة لتسویق التعلیم والقوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة، یتبین أن تحقیق التوازن بین العام والخاص فی قطاع التعلیم قد یکون له مردوده الإیجابی على أطراف العملیة التعلیمیة بشکل عام. فالتدریس والتعلم بمثابة عملیة شخصیة بحتة، أی لیس هناک نموذج واحد یمکن أن یناسب الجمیع، فضلًا عن فرص الطلاب الضئیلة فی المدرسة لاختیار معلمیهم، أما منطق السوق فیسمح للطلاب من خلال الدروس الخصوصیة بمزید من الخیارات ووسائل الدعم الملائمة لحاجاتهم ومهاراتهم. وبقول آخر إذا کانت الدروس الخصوصیة تصب فی صالح عملیة التعلم، فیمکن القول بأن المجتمع بأسره وکذلک الطلاب مستفیدون. أما إذا جاءت الدروس الخصوصیة على حساب بعض عناصر التعلم فی المدرسة، فالتوازن بین العام والخاص أقل إیجابیة، ولکن یظل مقبولًا حیث یمکن أن یکون مصدرًا للأفکار وإلهام المعلمین المنشغلین بتلبیة حاجات طلابهم. کما أن التوازن بین العام والخاص فی قطاع التعلیم، حتى وإن کان أقل إیجابیة، فهو یمثل حالة مستمرة ودافعًا لتطویر نظم التعلیم الرسمیة، خاصة المفهوم والأهداف.

ثالثًا ـ حجم تعلیم الظل:

توثق البحوث والدراسات التربویة نمو الدروس الخصوصیة (تعلیم الظل) فی النظم الوطنیة للتعلیم فی جمیع أنحاء العالم، إلا أن هناک تباینًا فی حجم وانتشار خدماته. وکثیرًا ما یصعب الحصول على بیانات یمکن التعویل علیها عن تعلیم الظل لأن أغلب الدروس الخصوصیة تُجرى على أساس غیر رسمی. فمراکز ومؤسسات الدروس الخصوصیة قد تکون غیر مسجلة والالتحاق بها قد یکون غیر مستقر، وعلاوة على ذلک عادة ما یتجنب المدرسون الخصوصیون الضرائب على أرباحهم، ومن ثم لا یحبون لفت الانتباه إلیهم. کما قد یتردد الطلاب فی الکشف عن حجم الدروس الخصوصیة التی یتلقونها، حیث یرجع ذلک جزئیًّا إلى شعورهم بالخجل فی سعیهم للحصول على المساندة التعلیمیة أو التمیز التنافسی على أقرانهم ([48]).

ومع ذلک، فقد ترسم البحوث والدراسات التربویة صورة لحجم وانتشار الدروس الخصوصیة وتنوعاتها عبر القومیة على المستویات التالیة:

  أ‌-         على المستوى الجغرافی: تمثل الدروس الخصوصیة ظاهرة واسعة الانتشار عالمیًّا. ففی بعض من أجزاء شرق آسیا، على وجه التحدید الیابان وکوریا الجنوبیة، یمکن رصد تاریخ طویل للدروس الخصوصیة فی تلک البلدان التی تنعم بالرخاء وتتأثر بتقالید الثقافة الکونفوشیوسیة التی تُعظِّم من قیمة العلم والاجتهاد. کما أصبحت الدروس الخصوصیة أکثر وضوحًا فی البلدان منخفضة الدخل، مثل کمبودیا وبنجلادیش ودول أفریقیا. وبرزت الدروس الخصوصیة فی شرق أوروبا وآسیا الوسطى کمشروع رئیس بعد انهیار الاشتراکیة، وتنامی اقتصاد السوق. وعلى الرغم من أن نسبة الطلاب الذین یتلقون دروسًا خصوصیة فی مجتمعات أخرى قد یکون أقل، إلا أنه أضحى واضحًا أیضًا وعلى نحو متزاید فى غرب أوروبا وأمریکا الشمالیة ([49]).

وفی هذا السیاق، تجدر الإشارة إلى أن حجم الدروس الخصوصیة لا یرتبط دائمًا بالنوعیة ـ على الأقل فی معناها المطلق ـ فبعض البلدان ذات الأنظمة التعلیمیة القویة مثل الیابان وکوریا الجنوبیة وسنغافورة، تنتشر بها الدروس الخصوصیة على نطاق واسع فی حین أن بعض البلدان ذات أنظمة التعلیم الضعیفة، مثل جمهوریة الکونغو وبابوا غینیا الجدیدة، فحجم الدروس الخصوصیة بها قلیل نسبیًّا. فی هذه الحالات یعکس حجم الدروس الخصوصیة طبیعة المنافسة الاجتماعیة، ولیس المستویات المطلقة للجودة التعلیمیة ([50]).

ب‌-       على مستوى الطلاب: یفترض عادة أن من یتلقى الدروس الخصوصیة هم الطلاب المتأخرون عن أقرانهم دراسیًّا ویرغبون فی الاستمرار فی مساراتهم التعلیمیة. وعلى الرغم من أنهم یمثلون شریحة کبیرة، إلا أن الدروس الخصوصیة أکثر شیوعًا بین الطلاب الذین یؤدون بشکل جید فعلًا ویرغبون فی الحفاظ على قدرتهم التنافسیة. ویلتحق بعض الطلاب بالدروس الخصوصیة على مدار السنة، فی حین لا یحصل علیها آخرون إلا قبل الامتحانات الرئیسیة مباشرة. وعادة ما تکون الریاضیات واللغات الأکثر طلبًا فی الدروس الخصوصیة ـــ وهما من المواد الحاسمة للتقدم فی النظام التعلیمی ـــ ویمکن أن تشمل أیضًا العلوم أو العلوم الإنسانیة، اعتمادًا على التخصص الذی یختاره الطلاب ([51]).

رابعًا ـ أشکال تعلیم الظل:

یأخذ تعلیم الظل أشکالًا مختلفة فی الثقافات المتنوعة، فالنماذج السائدة فی شرق آسیا تختلف عن تلک الموجودة فی جنوب آسیا، والنماذج السائدة فی أوروبا الغربیة تختلف عن نظیراتها فی أوروبا الشرقیة. وحتى فی المناطق الجغرافیة هناک تنوع کبیر، وکذلک داخل کل مجتمع تتعدد أشکال تعلیم الظل التی تخدم فئات مختلفة من العملاء.

وتتحدد طبیعة وأشکال الدروس الخصوصیة ـ إلى حد کبیر ـ وفقًا لعدد الطلاب؛ فإذا وضعنا الدروس الخصوصیة على مقیاس متدرج سوف یُلاحظ ثلاثة أنواع؛ هی: ([52])

  • الدروس الخصوصیة الفردیة، والتی غالبًا ما تتم فی منازل الطلاب أو المدرسین.
  • الدروس الخصوصیة فی مجموعات صغیرة والفصول متوسطة وکبیرة الحجم.
  • الدروس الخصوصیة الکثیفة العدد؛ وهی تلک التی تتم فی قاعات المحاضرات الجماعیة، یخدمها شاشات الدوائر التلیفزیونیة المغلقة.

وتقدم التکنولوجیا أیضًا الدروس الخصوصیة من خلال شبکة الإنترنت داخل وعبر الحدود الوطنیة. فهناک الشرکات الصغیرة والمحلیة والکبیرة التی تقدم الخدمة المباشرة فقط وللأحیاء المحیطة، وهناک الشرکات المتعددة الجنسیات؛ ومن أشهرها شرکة کومون Kuman التی ظهرت فی الیابان عام 1954 عندما فکر مؤسسها السید تورو کومون Toru kuman فی طریقة لتحسین مستوى ابنه فی الریاضیات. وبعد نصف قرن، صار السید کومون یوفر دروسًا لأکثر من أربعة ملایین تلمیذًا فی 45 دولة، وتنشط مؤسسته فی إطار نظام حقوق الامتیاز فی مجالی الریاضیات واللغات. ومن بین الشرکات الأخرى التی تعمل وفق نظام حق الامتیاز، مؤسسة سیلفان Sylvan، وأکادیمیة الریاضیات والعلوم ومرکز أکسفورد للتعلیم فی مجال الریاضیات أیضًا، هناک شرکة بالولایات المتحدة الأمریکیة تسمى Interactive Mathtutor.com وتعلن عن خدماتها على الإنترنت قائلة "لم یعد هناک مشقة فی الحصول على معلم ریاضیات فی منزلک، أو الانزعاج من السفر لمرکز تعلم لتلقی المساعدة فی الدروس الخصوصیة للریاضیات، فجلسة تعلیمیة لمدة ساعة واحدة تکفی لکسر جلید ثلاث ساعات"Make one hour tutoring session a three hour debacle وتضیف الشرکة "وسواء کنت تعیش فی نیویورک، کالیفورنیا، أو أی مکان حول العالم، فإن المساعدة الشخصیة الفعالة لدروس الریاضیات لا تتطلب منک سوى الاشتراک"، فضلًا عن الانتشار المذهل فی کندا لشرکات الدروس الخصوصیة التی تعمل وفق نظام حق الامتیاز ([53]).

ویبین تنوع أشکال تعلیم الظل، تعدد المداخل التربویة التی یمکن لمقدمی الخدمة من تطبیقها أثناء الدروس الخصوصیة، فالدروس الفردیة OneـtoـOne قد تبدو لأول وهلة الأکثر رغبة من قبل الطلاب؛ لأن المحتوى وأسلوب التدریس یمکن أن یتم تکییفه وملاءمته لطالب واحد. وقد یرى بعض الطلاب فائدة أکبر فی دروس المجموعات الصغیرة، حیث یمکنهم التعلم من زملائهم، ویکون الضغط أقل علیهم لتوزیع ترکیز المدرس علیهم وعلى زملائهم فی المجموعة. ویفضل البعض الدروس الخصوصیة فی الفصول الکبیرة رغبة فی الذوبان فی تلک الفصول وعدم الکشف عن أنفسهم ([54]).

وهناک من یفضل الدروس الخصوصیة على الإنترنت لما لها من مزایا، من حیث المرونة وتوفیر الوقت وتکلفة السفر لکل من مقدمی الخدمة والعملاء. کما أنها تقلل أیضًا من تحدیات الموقع الجغرافی، حیث یمکن أن یحصل الطلاب على دروسهم الخصوصیة أینما کانوا طالما توافرت اتصالات جیدة بالإنترنت. مما یسمح للشرکات فی الهند، على سبیل المثال، من خدمة عملائهم فی الولایات المتحدة بتکلفة أقل کثیرًا مما یحصل علیه المدرسون الخصوصیون فی الولایات المتحدة ([55]). مما یلفت النظر إلى تأثیر التکنولوجیات الجدیدة، وخاصة الإنترنت على الفضاء الجغرافی، والذی من خلاله اتخذت بعض أشکال الدروس الخصوصیة طابع العالمیة.

خامسًا ـ معلم تعلیم الظل:

على مستوى مقدمی الدروس الخصوصیة وأدوارهم المتوقعة، ثمّة تنوع کبیر من حیث الخبرة والمعرفة والشخصیة لمقدمی الدروس الخصوصیة، فإلى جانب معلمی المدارس الرسمیة الذین یقدمون الدروس الخصوصیة بالإضافة إلى واجباتهم المعتادة، قد تستعین الکثیر من الأسر بطلاب الجامعة وحتى طلاب المدارس الثانویة لتقدیم الدروس الخصوصیة لأبنائهم بصورة غیر رسمیة. حیث ترى الأسر أن هؤلاء الطلاب قد نجحوا مؤخرًا فی تحقیق کل ما هو مطلوب فی مستوى التعلیم الذی یجتازه أبناءهم tutees. من ناحیة أخرى تقدر الأسر هؤلاء الشباب فی تقدیم الدروس الخصوصیة لأن ذلک من شأنه تقلیل المسافة بین أجیال المعلمین والطلاب، بالإضافة إلى أن ما یتقاضاه طلاب الجامعة أقل من غیرهم من المدرسین الخصوصیین ([56]).

وهناک أیضًا المعلمون المرموقون أو النجوم star tutors والذین یتمتعون بجاذبیة قویة فی السوق، مبنیة على سمعتهم من نجاح طلابهم السابقین فی الاختبارات، ومثل هؤلاء المدرسون قادرون على التدریس لمجموعات کبیرة فی قاعات المحاضرات ومن خلال شاشات الفیدیو، وتعلن عنهم مراکز الدروس الخصوصیة فی وسائل الإعلام وعلى أسطح الحافلات؛ لجذب نسب کبیرة من الطلاب خاصة فی المرحلتین المتوسطة والثانویة. وقد یقتصر بعض الطلاب على حضور المحاضرات و/ أو تسجیلات الفیدیو لها، بینما یدفع آخرون لقاء خدمات إضافیة أخرى، مثل: التفاعل الشخصی مع المعلم النجم، أو تلقی مساعدته عن طریق البرید الإلکترونی، أو الفیس بوک وغیرها من الوسائط الأخرى ([57]).

ویمثل المدرس الخصوصی ـ بغض النظر عن هویته العلمیة والشخصیة ـ مصدرًا للقوة من خلال ما یلعبه من أدوار. ویمیل أولیاء الأمور للاستعانة بالمدرس الخصوصی لأداء أدوار معینة، باعتباره ممثلًا عن أولیاء الأمور، ویختارون بعنایة مَن یرونه مناسبًا لذلک. ومن الأدوار التی یمکن أن یلعبها المدرس الخصوصی ([58]):

-        ناشر للمعرفة Knowledge disseminator: وهو دور أساسی للمدرس الخصوصی، حیث یتم الاستعانة به لنشر المعرفة المرتبطة بالمواد والمقررات الأکادیمیة ومهارات الاختبار.

-        المحفز Motivator: حیث یعمل المدرس الخصوصی على تلبیة وإرضاء الحاجات الفردیة لطلابه، وإعطاء الاهتمام الکافی لکل طالب على حده. وقد صاغ Demerath, Lynch and Davidson (2008: 279-289) مصطلح رأس المال النفسی، ویشمل توقعات واضحة للنهوض بالشخصیة، والاعتقاد القوی فی قدرة الطلاب على النجاح والوعی الذاتی بتطویر أخلاقیات العمل ذات الإنتاجیة القویة.

وبقول آخر، فرأس المال strong productive work ethic النفسی هو القدرة العقلیة التنافسیة فی المجتمع الرأسمالی. فی هذه الحالة، یبنی الطلاب ذوو الدوافع المنخفضة رأس المال النفسی لهم من خلال الدروس الخصوصیة.

-        الناصح/ المراقب Preacher/ inspector: حیث یعمل المدرس الخصوصی على غرس المعاییر الاجتماعیة والقیم الاجتماعیة والقیم الأخلاقیة فی طلابه بصورة غیر مباشرة. وکونه مراقبًا، فهو یراقب مواقف وسلوکیات الطلاب، فضلًا عن أدائهم الأکادیمی، وتحدید الواجبات المنزلیة، وتنظیم وقت فراغهم.

-        القدوة Idol: حیث یتوقع معظم أولیاء الأمور أن للمدرسین الخصوصیین نظام معیاری من الأخلاق، مثل عدم التدخین وحسن المظهر والسلوک.

-        المرشد Advisor: یعتمد کل من أولیاء الأمور والطلاب ـ بشکل کبیر ـ على المدرس الخصوصی للحصول على المشورة. ویبحث عنها الآباء عند المدرسین الخصوصیین لأنهم أکثر خبرة بمشاکل المراهقة والفجوة العمریة أصغر بینهم وبین طلابهم.

کما یلتمس الطلاب مختلف أنواع المشورة من مدرسیهم الخصوصیین، خاصة الصعوبات الأکادیمیة ومشکلة إدارة الوقت، وکذلک مراحل نمو الشخصیة أیضًا. علاوة على ذلک؛ قد یشارک المدرسین الخصوصیین طلابهم فی تخطیط مستقبلهم، عندما یواجه الطلاب قرارات مصیریة، مثل: اختیار المدرسة الثانویة، أو الجامعة. کما یحصل أیضًا الطلاب على المساعدة من مدرسیهم الخصوصیین فی التخطیط لاختیار مسارهم المهنی والوظیفی مستقبلًا.

وإذا کانت الأدوار الخمسة السابقة للمدرسین الخصوصیین تساعد طلابهم على تیسیر عملیة التعلم وتقبلها والاستعداد للامتحانات، فثمّة أدوار أخرى قد یقوم بها المدرسون الخصوصیون من شأنها الإسهام فی دعم العلاقات الاجتماعیة الإیجابیة بین المعلمین وأولیاء الأمور والطلاب، ومنها:

-        دور الأخت الکبرى/ الأخ/ الأم Elder sister/ brother/ mother: یحترم الطلاب مدرسیهم الخصوصیین مثل احترام الأشقاء الأکبر سنًّا، ویقر العدید منهم بالاعتماد على المدرسین الخصوصیین لیس بسبب الأقدمیة فحسب، ولکن نظرًا لما یتمتع به المدرسون الخصوصیون من معرفة وخبرة وقیم حیاتیة، وتسمح العلاقات الفردیة oneـ to ـ one للمدرسین الخصوصیین من مشارکة خبراتهم الحیاتیة وقیمهم مع طلابهم، ویرى الطلاب هذه العلاقات على أنها "اتساع فی رؤیة العالم والنمو فی الروح" a widening of world vision and growth in spirit وعادة ما یقدم المدرسون الخصوصیون أنفسهم فی بدایة دروسهم الخصوصیة کأخوة/ أخوات کبار، وهی إستراتیجیة معروفة لبناء علاقات الثقة والمودة مع الطلاب.

-        دور الأقران/ الأصدقاء Peers/ Friends:یرى معظم الطلاب أن علاقاتهم بالمدرسین الخصوصیین هی نوع من علاقات الأقران/ الأصدقاء، ویتمیز الأقران بالمساواة فی المکانة وعلاقات القوة، ویعتبر المدرس الخصوصی علاقته مع طلابه کالأقران؛ لأنه یشعر بأنه لیس هناک فیما بینهم تسلسل هرمی أو شعور بفارق السن. کما یعتبر الطلاب المدرسین الخصوصیین کالأقران الذین یتناقشون معهم فی أمور وقضایا خارج المجالات الأکادیمیة. وقد یتمثل المدرسون الخصوصیون دور الأصدقاء بالنسبة لطلابهم ـ یختلف الأصدقاء عن الأقران من حیث علاقات السلطة ـ لاستخدام شعور القوة والسلطة لتوجیه سلوکیات الطلاب بسهولة أکبر.

-        دور الوسیط/ المبعوث Mediator/ Messenger: أحیانًا ما یکون المدرسون الخصوصیون بمثابة الوسطاء بین أولیاء الأمور والطلاب؛ للمشارکة فی حل المشکلات فیما بینهم، ویلعب المدرسون الخصوصیون أیضًا دور المبعوثین فی أوقات السلام، خاصة عندما تکون الفجوة بین الأجیال مبعث اهتمام وقلق للآباء. فقد یجد الآباء صعوبة فی التواصل مع أبنائهم بسبب الفجوة بین الأجیال ونبرة الحدیث والخلفیة الثقافیة والتغیرات التکنولوجیة، ویساعد المبعوث هنا ـ المدرس الخصوصی ـ الطلاب وأولیاء أمورهم على تواصل أفکارهم بلغتهم الخاصة، وإیجاد الأرضیة المشترکة للتفاهم فیما بینهم.

-        دور المستمع/ الأخصائی الاجتماعی Listener/ Social worker: یرى أولیاء الأمور المدرسین الخصوصیین کأفضل المرشحین لیکونوا مستمعین لمشاکل الأسرة، خاصة فیما یتعلق بالطلاب، فهم أکثر درایة بالأسرة نظرًا لزیاراتهم المنزلیة المتکررة ـ مرة واحدة على الأقل أسبوعیًّا ـ ومن ثمّ فقد یشارک الآباء المدرسین الخصوصیین مشاعرهم، وما یواجهون من صعوبات فی تربیة أبنائهم، خاصة سلوکیاتهم غیر المقبولة اجتماعیًّا.

وتمثل الأدوار الاجتماعیة السابقة للمدرسین الخصوصیین وسیلة لتعزیز علاقات التفاعل بینهم من ناحیة، وأولیاء الأمور والطلاب من ناحیة أخرى، بعیدًا عن توترات متطلبات التنافسیة التعلیمیة واجتیاز الامتحانات. ویستطیع الطلاب بناء علاقات أکثر تناغمًا مع مدرسیهم الخصوصیین وتقل لدیهم مشاعر الاغتراب والانعزالیة التی قد یختبرونها فی مدارسهم وتلبی حاجاتهم الفردیة والشخصیة.

کما یستطیع المدرس الخصوصی أن یبدل ویغیر من دور لآخر وفقًا للسیاقات المختلفة، وثمّة أدوار یمکن أن یلعبها مجتمعه، کونه أخصائیًّا اجتماعیًّا ومستمعًا على سبیل المثال. کما قد تتعارض بعض أدواره مع بعضها البعض، مثل دور الصدیق ودور المراقب.

وعلى مستوى آخر من التحلیل، وبعدسة مقدمی الخدمة، یرى المدرسون الخصوصیون أن ثمّة اعتبارات عدة للقیام بأدوارهم ـ السابق الإشارة إلیها ـ وبغض النظر عن الاعتبارات الاقتصادیة، والتی تأتی فی المقام الأول، یرون أن الدروس الخصوصیة وسیلة لتحقیق ([59]):

-        تحقیق الذات self-realization: فمن خلال تعلیمهم للطلاب، یدرک المدرسون الخصوصیون إمکانیاتهم وقدراتهم، وبالتالی کسب الرضا والشعور بالأهمیة وتلقی الشکر من الآباء والطلاب، وتحقیقًا للذات، قد یرى المدرسون الخصوصیون أنفسهم فی الماضی فی صورة طلابهم حالیًا، ومحاولة تصحیح أخطائهم السابقة من خلال مساعدة الطلاب.

-        النمو الذاتی self-growth: فالدروس الخصوصیة تسمح لمقدمیها من ملاحظة ومراقبة طبقات مختلفة من المجتمع، واختبار ثقافات الأسر المتنوعة، واکتشاف الأنماط المعیشیة المختلفة، ویصبحون أکثر نضجًا وثقةً فی التعامل مع أولیاء الأمور والطلاب.

-        البحث عن الذات self-research: فالدروس الخصوصیة وسیلة لاستعادة ذکریات المدرسین الماضیة، وفرصة لإعادة تذوق الشعور بکونهم فی المدرسة. ومن خلال فهم حاجات الطالب وطریقة تفکیره ـ والتی تختلف عن طریقة تفکیر المدرس ـ یمکن للمدرسین الخصوصیین من فهم أنفسهم على نحو أفضل.

 

 

سادسًا ـ سیاسات التعلیم الحکومیة وتعلیم الظل:

یمثل تعلیم الظل ظاهرة عالمیة الانتشار، ویعد من أسرع الصناعات (التعلیمیة) نموًّا فی الکثیر من دول العالم. وهذا النمو غیر المسبوق هو مثار لاهتمام/ قلق صناع السیاسة، نظرًا لتأثیره المباشر على نوعیة التعلیم المدرسی (الرسمی) وقضایا المساواة التعلیمیة. وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعوبة بمکان السیطرة على انتشار تعلیم الظل، فمثلًا فی الدروس الخصوصیة مقارنة بظواهر تعلیمیة أخرى؛ لأنه یحدث خارج مسار التعلیم الرسمی. ولکن یمکن الحد من آثاره السلبیة وتوجیه تلک الآثار بشکل إیجابی من خلال تبنی سیاسات إصلاحیة مغایرة، تقوم على مفهوم السوق ومتطلباته المتغیرة، خاصة الاستثمار فی رأس المال الخاص من قبل الأسر فی الدروس الخصوصیة، وتقوم أیضًا على تحقیق التوزان بین العام والخاص فی قطاع التعلیم فی ظل التنافسیة العالمیة ومؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة.

ویذهب "برای ولیکنز Bray and Lykins" بضرورة طرح صانعی السیاسات التعلیمیة بعض الأسئلة على أنفسهم قبل وضع سیاساتهم للتعامل مع ظاهرة تعلیم الظل، وهذه الأسئلة      هی ([60]):

-        ما الذی یقدمه تعلیم الظل لأولیاء الأمور والطلاب، ولا تقدمه المدارس العادیة، وکیف یمکن للمدارس العادیة أن تحسن خدماتها؟

-        کیف تجذب شرکات الدروس الخصوصیة العملاء؟ وکیف یمکن للمدرس أیضًا أن یکون أکثر توجهًا نحو العمیل؟

-        کیف تجذب شرکات الدروس الخصوصیة العاملین بها؟ وفی بعض الحالات حتى من المدارس العادیة، وما الآثار المترتبة على ذلک لنظم التعلیم الرسمیة؟

-        عندما یدعی المعلمون والحکومات أن التدریس والتعلم الفعال لا یمکن أن یحدث فی فصول دراسیة بها 40 طالبًا أو أکثر؛ فکیف یتم ذلک عندما یکون لدى بعض الأسر والطلاب الرغبة والاستعداد لدفع التکالیف مقابل الالتحاق بفصول کبیرة الحجم للمعلمین النجوم (المرموقین)؟

-        عندما تصر سلطات التعلیم على ضرورة حصول المعلمین على التدریب للتدریس فی الفصول الرسمیة، فکیف نجد أن العدید من الأسر والطلاب على استعداد لدفع تکالیف الحصول على خدمات المعلمین غیر المدربین؟

-        لماذا تکون شرکات الدروس الخصوصیة أکثر وضوحًا فیما یتعلق باستخدام التکنولوجیا وتطویر المناهج الدراسیة، من أجل تدریس وتعلم فعال أکثر من المدارس الرسمیة، حتى فی نظم التعلیم جیدة الموارد.

-        ما الآثار المترتبة على سیاسات مجانیة التعلیم، مع حقیقة أن العدید من أولیاء الأمور فی مناطق عدیدة قادرون بشکلٍ واضح، وعلى استعداد للدفع فی تعلیم الظل؟

-        إلى أی مدى یمکن أن توفر المدارس العادیة نفس المرونة فی التوقیت ومحتوى التدریس والتعلم الذی یقدمه تعلیم الظل؟

-        ما الذی یؤکد علیه المدرسون الخصوصیون فی الإعلان عن أنفسهم، وما الذی یخبرنا به ذلک عن مستوى تفکیر الوالدین ومبررات التعاقد مع هؤلاء المدرسین؟

وفی سعیهم لوضع السیاسات الأکثر فعالیة للتعامل مع الأشکال المختلفة من الدروس الخصوصیة، یحاول واضعو السیاسات والمخططون الإجابة عن السؤال: أی السیاسات الحکومیة هی الأنسب لکل شکل من أشکال الدروس الخصوصیة، آخذین فی الحسبان الاعتبارات التالیة ([61]):

-        التعامل مع الدروس الخصوصیة التی یفرضها السوق بشکل مختلف عن الدروس الخصوصیة التی تشجعها الحکومات کلیًّا أو جزئیًّا.

-        وضع سیاسات للدروس الخصوصیة المتوفرة عبر الإنترنت مغایرة تمامًا لتلک السیاسات اللازمة للتعامل مع الدروس الخصوصیة التی یوفرها مدرسون خصوصیون.

-        اختلاف الدروس الخصوصیة التی یجبر المعلمون النظامیون تلامیذهم على تلقیها أیضًا عن الدروس التی یتلقاها التلامیذ بسعی من آبائهم.

-        اختلاف الدروس الخصوصیة التی یعطیها معلمون متمرسون، عن الدروس التی یعطیها طلبة المدارس الثانویة أو الجامعات غیر المتمرسین.

-        اختلاف التعامل مع الدروس التی تُعطى فردیًّا وجهًا لوجه، عن التعامل مع الدروس التی تقدم لمجامیع غفیرة فی مدرجات کبیرة مزودة بشاشات فیدیو.

-        التعامل مع الآثار والأبعاد الإیجابیة للدروس الخصوصیة، خاصة إسهامها فی تحسین المستوى التعلیمی العام فی مجتمع ما، أو توظیف عدد کبیر من خریجی مؤسسات التعلیم العالی فی الدروس الخصوصیة، مما یقلل من نسبة البطالة فی المجتمع.

-        انتشار ظاهرة الدروس الخصوصیة محفز فی حد ذاته لتغییر المناهج الدراسیة، وتجدید أسالیب التدریس، والتوسع فی تدریب المعلمین أثناء الخدمة، والاستعانة بالتکنولوجیا الجدیدة، فضلًا عن زیادة معدلات الالتحاق بالتعلیم العالی.

-        التوازنات بین اللوائح والإجراءات المشتقة من قطاعی التعلیم والتجارة، فالدروس الخصوصیة تتأثر بقوة من قبل القطاع التجاری أکبر من تأثرها بقطاع التعلیم، ویظهر ذلک جلیًّا من خلال إجراءات عدیدة، مثل: الشفافیة فی المعاملات المالیة والعلاقات التعاقدیة وإدارة المنشآت لضمان القبول والبقاء. فی حین أدت الدروس الخصوصیة إلى اهتمام أقل بالأمور التعلیمیة وحجم الفصول ومحتوى المنهج ومؤهلات المعلمین.

ومن خلال الاعتبارات السابقة، یستطیع واضعو السیاسات من توجیه فکرهم فی رسم سیاسات فاعلة تجاه تأثیرات تعلیم الظل على التعلیم والاقتصاد والمجتمع، وتکون هذه السیاسات فی المجالات التالیة:

         ‌أ-         سیاسات تأمین البیانات: ([62])

یتقاطع سوق تعلیم الظل عبر عدة قطاعات مختلفة باعتباره صناعة ناشئة ومصدر هام للعمالة. وفی العدید من الدول تقوم الوکالات الحکومیة المسئولة عن مراقبة قطاعی التعلیم والتجارة بإجراء دراسات استقصائیة ـ بشکل دوری ـ تتضمن بیانات عن الدروس الخصوصیة، باستخدام عدة إستراتیجیات لجمع المؤشرات الأساسیة على الإنتاج والاستهلاک وفعالیة الدروس الخصوصیة.

ویمکن جمع المؤشرات الدالة على إنتاج الدروس الخصوصیة من خلال تعدیل الأسئلة المتضمنة فی استمارة التعداد السکانی. فمعظم التعدادات تطلب من المجیبین بیان مهنتهم الرئیسیة، حیث یمکن إضافة مهنة "مدرس خصوصی" من ضمن المهن الموجودة باستمارة التعداد السکانی، مما یعطی صورة أفضل عن مقدمی الدروس الخصوصیة بما فی ذلک مستویاتهم التعلیمیة، ودخل الأسرة، ومکان الإقامة سواء فی الریف أو الحضر.

وتجمع مؤشرات استهلاک الدروس الخصوصیة من خلال إضافة فئة الدروس الخصوصیة ضمن الدراسات الاستقصائیة الوطنیة حول نفقات الأسرة، وتقوم بعض الحکومات بذلک من خلال وضع الدروس الخصوصیة فی فئة فرعیة تحت بند المصروفات التعلیمیة، وتستخدم الحکومات مسوحات الإنفاق الأسری للوقوف على العلاقة بین الدروس الخصوصیة، ودخل الأسرة، وکذلک رصد العلاقة بین الإنفاق العام والخاص على التعلیم.

أما المؤشرات على فعالیة الدروس الخصوصیة، فیمکن جمعها من خلال إضافة بند حول الدروس الخصوصیة فی اختبار الإنجاز التعلیمی. على سبیل المثال؛ سؤال الطلاب فی امتحانات القبول فی الکلیات عما إذا کانوا قد تلقوا دروسًا خصوصیة فی العام السابق، وفی أی الموضوعات؛ لبیان مدى الارتباط بین هذه الموضوعات وما یتم اختبارهم فیه، والصیاغة الدقیقة لمثل هذه الأسئلة یضمن الحصول على معلومات دقیقة حول أنواع الدروس الخصوصیة فردیة کانت أم جماعیة، تتم وجهًا لوجه أم عبر الإنترنت.

وتأمل الحکومات من سیاسات تأمین البیانات، أن تحد من ممارسة معلمی المدارس الرسمیة من إعطاء الدروس الخصوصیة لطلابهم فی الفصول الدراسیة، من خلال زیادة رواتبهم واستطلاع آرائهم حول حد الزیادة الذی یطمح المعلمین إلى تحقیقه.

       ‌ب-       سیاسات التقییم ونظم الاختیار: ([63])

بقدر أهمیة نظم التقییم والاختیار ـ کدافع ومحرک للدروس الخصوصیة ـ فإن التغییر فی سیاسات تلک النظم وتبنی سیاسات إصلاحیة، من شأنه أن یؤدی إلى تغییرات جوهریة فی العرض والطلب على الدروس الخصوصیة، وتتبنى الکثیر من الحکومات سیاسات للتقییم من شأنها اعتبار اختبارات نهایة المرحلة الابتدائیة لیست من النوع عالی المخاطر High-stakes type -خاصة إذا کانت لدیها تعلیم ثانوی أدنى عالمی ـ وتأمل الحکومات من تبنی مثل هذه السیاسات أن تقلل من الضغوط على الطلاب، ومن ثمّ انخفاض الطلب على الدروس الخصوصیة.

هذا فضلًا عن سیاسات الإصلاح المرتبطة بقواعد الالتحاق بالکلیات، ومن خلال هذه السیاسات تطبق الکثیر من النظم الوطنیة للتعلیم العالی ما یُعرف باختبار التحصیل؛ للالتحاق بالکلیة college entrance achievement test والقائم على أساس موضوع معین بدلًا من اختبار القدرات الأکادیمیة القائمة على المعارف العامة. وتطبق بعض النظم الوطنیة الأخرى ما یسمى باختبار القدرة التعلیمیة للکلیة college scholastic ability test ومصمم لقیاس درجة الاستعدادات الأکادیمیة العامة للمتقدمین للجامعات المطلوبة للتعلیم العالی، ویهدف لحفز القدرات العقلیة العلیا بدلًا من قدرة التذکر قصیر المدى لأجزاء من المعرفة.

       ‌ج-       سیاسات الشراکة: ([64])

انطلاقًا من أن الحکومات لا تستطیع تحقیق کل تطلعاتها وأهدافها منفردة، وکما هو الحال فی کثیر من المجالات الأخرى، فالتوجیه الفعال لتعلیم الظل یمکن أن یتحقق من خلال تبنی الحکومات لسیاسات الشراکة.

ویمثل النظام المدرسی نقطة انطلاق للشراکة، فتعلیم الظل لا وجود له بدون وجود النظام المدرسی، ومن الطبیعی للحکومات أن تنتج سیاسات للشراکة مع المدرس لتنظیم وتشکیل الظل. فالمدارس یمکنها تصمیم ووضع قوانین للتعامل والسلوک الخاص بمعلمیها، سواء کان هؤلاء المعلمون یقدمون الدروس الخصوصیة أم لا. وثمّة عدد متزاید من الحکومات التی تضع أیضًا قواعد التعامل والسلوک على المستوى الوطنی. وعلى الرغم من أن معظم هذه القواعد والقوانین تقتصر فقط على معلمی المدارس وواجباتهم المعیاریة، إلا أنه یمکن أن تتسع لتشمل مقدمی الدروس الخصوصیة.

وتمتد سیاسات الشراکة الحکومیة مع الهیئات والکیانات المجتمعیة، والتی یمکن أن تسهم فی مراقبة عمل المدرسین الخصوصیین، وکذلک التعاون مع الحکومات لتشجیع بعض أنواع الدروس الخصوصیة للطلاب الذین هم بحاجة إلیها.

-        کما قد تشمل سیاسات الشراکة القائمین على صناعة تعلیم الظل نفسها. ففی بعض البلدان تم تشکیل جمعیات للمدرسین الخصوصیین، مثل: الجمعیة الوطنیة للدروس الخصوصیة The National tutoring association (U.S)، الجمعیة الأسترالیة للدروس الخصوصیة The Australian tutoring association؛ بهدف التنظیم الذاتی لهم، وعلى الرغم من أن مثل هذه الکیانات موجودة بشکل رئیسی للدفاع عن مصالحها، إلا أن تعاونها مع الحکومات لإثبات أن الدروس الخصوصیة مهنة محترمة لها معاییرها العالیة.

وتعکس السیاسات الحکومیة السابقة لتعلیم الظل مفهوم "السیاسة کممارسة" “policy as practice” اجتماعیة للسلطة والذی یوظف المدخل التفسیری النقدی لدراسة آراء أصحاب المصالح المختلفة والتوجهات الأیدیولوجیة التی یمثلونها. وتجیب السیاسات کممارسة اجتماعیة للسلطة عن سؤالین:

-        من الذی یفعل السیاسة Who can do policy؟

-        وماذا یمکن أن تفعل السیاسة What can policy do؟

وبالإجابة عن هذین السؤالین، یمکن فهم السلطة کقوى اجتماعیة واقتصادیة ووطنیة تتشابک مع تطلعات وطموحات الأفراد، بما فی ذلک المعلمین وأولیاء الأمور والطلاب ([65]).

 

 

 

الخلاصة:

من خلال العرض السابق للأدبیات المرتبطة بتعلیم الظل وتأثیراته على مسارات التعلیم الرسمی والإنجاز الأکادیمی للطلاب، یتوصل البحث الحالی إلى مجموعة من الاستنتاجات، هی:

-        ظاهرة الدروس الخصوصیة لیست جدیدة فی حد ذاتها، ولها تاریخ طویل فی مختلف الثقافات، خاصة فی العائلات الثریة أو النخبة. واتسع نطاق الدروس الخصوصیة على جمیع مستویات نظم التعلیم الوطنیة، ولمجموعة أکبر من الطبقات الاجتماعیة، خلال العقود الأخیرة من القرن العشرین؛ لتصبح ظاهرة عالمیة ذات مظاهر مختلفة فی البلدان منخفضة الدخل مقارنة مع البلدان مرتفعة الدخل.

-        تتسم بعض أشکال الدروس الخصوصیة بالتعمق فی المحلیة، فی حین أن البعض الآخر یغلب علیه الطابع العالمی من خلال شکلین؛ أولهما: الشرکات الکبیرة متعددة الجنسیات، والتی تعمل من خلال الامتیازات، مثل Kumon, sylvan. وثانیهما: الدروس الخصوصیة التی تتجاوز الحدود الوطنیة عن طریق الإنترنت، وثمّة احتمال متزاید لتنامی أشکال الدروس الخصوصیة العالمیة فی السنوات القادمة.

-        تحقیق التوازن بین العام والخاص فی قطاع التعلیم والتعامل مع قوى السوق والعرض والطلب على الدروس الخصوصیة، باعتبارها قیمة مضافة للعملیة التعلیمیة بشکل عام. وفی الوقت نفسه تجنب صراع الاهتمامات والمصالح، حیث یحدد واضعو السیاسات الأدوار المناسبة لنظم التعلیم الوطنیة، ومسارات التعلیم الرسمیة، وتحدید أی من المستویات التنظیمیة التی یجب أن تشارک فی تحقیق هذا التوازن.

وبناء على الاستنتاج السابق یمکن القول بتعقد العلاقة بین تعلیم الظل والتعلیم الرسمی. فالعدید من المواصفات یمکن أن توجد فی التعلیم الرسمی، وکذلک العدید من المواصفات یمکن أن توجد فی تعلیم الظل. ومن ثمّ یکون التساؤل: تحت أی ظروف یمکن لتعلیم الظل من تعویض انخفاض جودة التعلیم الرسمی، وتحت أی ظروف یمکن أن یجعل المشاکل أسوأ ([66]).

-        تتسم صناعة الدروس الخصوصیة بمرونة أکبر من التعلیم الرسمی فی مخاطبة حاجات ورغبات الطلاب بشکل فردی. ویمکن أن تستخدم إستراتیجیات التسویق لجذب العملاء، من خلال التنوع والتعدیل وفقًا لطلباتهم. ومن خلال هذه المرونة یمکنها الحفاظ على اثنین من مهامها الرئیسة، من تعویض عن ضعف جودة التعلیم والإثراء من أجل مخرجات تعلیمیة أفضل فی عالم تتزاید فیه حدة المنافسة.

-        انعکس الاتجاه العالمی نحو قیاس جودة التعلیم من خلال درجات الاختبار وغیره من التقییمات عبر الوطنیة على مفاهیم التعلم وعلى صناعة الدروس الخصوصیة، حیث ترکز أدبیات التعلیم والتنمیة على التحصیل الدراسی، ولذا وضع دیلور (1996) الرکیزة الأولى من التعلیم لتکون "تعلم لتعرف" لیحافظ على المکانة الرئیسة للمعرفة فی التعلیم الرسمی. فالمعرفة أسهل فی القیاس من الرکائز الثلاث الأخرى: التعلم للعمل، والتعلم للعیش معًا، والتعلم لتکون، ویتبع تعلیم الظل نفس المسار ویعزز نفس الاتجاه ([67]).

-        یرتبط تأثیر تعلیم الظل على تحصیل الطلاب بالسیاسات العامة للتعلیم والآثار الاقتصادیة والاجتماعیة ذات الصلة. واعتمادًا على هذا التأثیر، قد یکون لتعلیم الظل دور رئیس فی توضیح کیفیة بناء الأفراد والدول لرأس المال البشری.

القسم الثالث ـ خبرة الصین فی تعلیم الظل:

لطالما اعتمدت بلدان العالم الإستراتیجیات الوطنیة للتنمیة والإصلاح فی نظمها التعلیمیة، بهدف تحسین رفاهیة الحیاة للأفراد وتحقیق القدرة التنافسیة للأمة. والصین لیست استثناءً فی ذلک، فالهدف الأسمى لسیاق الإصلاح التعلیمی فی الصین هو تحسین جودة التعلیم للأمة، وأن یصبح نظامها التعلیمی قادرًا على تلبیة الحاجات الجدیدة للمجتمع المتغیر وتنمیة الأفراد، مما یزید من قدرتها التنافسیة الدولیة.

ویمکن رؤیة ثورة الإصلاح التعلیمی الصینی من حیث شمولیة أهدافه والتحدیات والسیاسات الموضوعة على أنه رحلة للسعی لتحقیق التوازن بین الکفاءة والفعالیة والمساواة. ففی السنوات الثلاثین الأخیرة، تم إحراز تقدمًا ملحوظًا خاصةً فی تطبیق التعلیم الإلزامی لمدة تسع سنوات، والقضاء على الأمیة، وتطویر التعلیم العالی، والتدریب المهنی. ومن عام 1991 حتى عام 2008 أدخلت تحسینات جدیدة على الالتحاق بالمدارس؛ حیث وصلت إلى زیادة بنسبة 41% لطلاب المرحلة الثانویة الدنیا (من 69.7% إلى 98.5%)، ووصلت الزیادة إلى 210% لطلاب المرحلة الثانویة العلیا (23.9% إلى 74%)، وبلغت 566% للتعلیم ما بعد الثانوی (3.9% إلى 23.3%) ([68]).

وفی ضوء مبادرات الصین نحو تعزیز التنمیة الشاملة لطلابها وتعزیز المساواة والعدالة وبناء مجتمع متناغم یستطیع أن ینافس دولیًّا، یتناول هذا القسم تعلیم الظل فی الصین؛ من حیث؛ أولًا: حرکة الجودة فی الصین، ثانیًا: تعلیم الظل من حیث؛ القوى الفاعلة فی تعلیم الظل، حجم تعلیم الظل، أشکال تعلیم الظل، معلم تعلیم الظل، سیاسات مواجهة تعلیم الظل. ثالثًا: الظهیر الثقافی لتعلیم الظل فی الصین. وذلک تمهیدًا لتقییم هذه الخبرة فی ضوء المؤشرات النظریة المستخلصة فی نهایة القسم الثانی.

أولًا ـ حرکة الجودة التعلیمیة فی الصین:

توصلت القیادة المرکزیة الصینیة فی تسعینیات القرن الماضی إلى استنتاجٍ مفاده أن قدرة الصین على الارتفاع لمستوى التحدیات الشاقة المتمثلة فی المنافسة العالمیة، مع قوة وطنیة شاملة فی القرن 21، تعتمد على "ما إذا کان یمکننا أم لا" تکوین جیل ذی تعلیم جید ومُثُل نبیلة واستقامة الأخلاق وشعور جید بالنظام والانضباط. وقد حدد واضعو السیاسة المرکزیة للتعلیم مصطلح Su-Zhi jiao Yu أی التعلیم الموجه نحو الجودة Quality ـ Oriented Education والذی أصبح الهدف الرئیسی لإصلاح التعلیم فی الصین. وفى أعقاب تطبیق مشروعات جودة التعلیم التجریبیة فی أجزاء مختلفة من الصین صدرت وثیقة عام 1999 الصادرة عن اللجنة المرکزیة للحزب الشیوعی الصینی ومجلس الدولة، بشأن تعمیق الإصلاح التعلیمی والنهوض الکامل بجودة التعلیم ([69]).

وابتداءً من عام 1999 أدخلت عدة مبادرات رئیسة للإصلاح بهدف تعزیز جودة التعلیم، وهی:

‌أ-         إصلاح نظام المراجعة المدرسی Reform of the school review system: ([70])

استهدفت هذه المبادرة إصلاح نظام مراجعة المدرسة والمساءلة واستخدام مصطلح المدرسة النموذجیة exemplary school بدلًا من المفاضلة، وتوجیه الموارد بین المدارس الأساسیة key والمدارس العادیة ordinary. والمبدأ العام فی هذه المبادرة هو: أن کل أنواع المدارس (أساسیة أو عادیة) یمکن أن تحرز لقب المدرسة النموذجیة طالما یمکن لتلک المدارس أن تحقق بعض الإنجازات المشاهدة فی تعزیز جودة التعلیم. وسیکون على تلک المدارس التقدم للمراجعة الرسمیة للحصول على لقب مدرسة نموذجیة، حیث تستغرق دورة مراجعة المدرسة للحصول على هذا اللقب ـ على المستوى المحلی ـ ثلاث سنوات على الأقل. وهی عملیة مرکبة تتکون من تقدیم المدرسة لخطة تطویرها للحصول على موافقة مکتب المنطقة التعلیمیة، ثم تتم المراجعة الخارجیة من قبل لجنة الاختیار البلدیة فی منتصف المدة، ثم المراجعة النهائیة، وأخیرًا تنشر المدرسة معلوماتها للجمهور للتدقیق والتغذیة الراجعة.

‌ب-       إصلاح المناهج الدراسیة Reform of the curriculum: ([71])

على الرغم من أن مبادرة إصلاح المناهج الدراسیة قد جاءت استجابة للدعوات للحد من أعباء العمل المدرسی على الطلاب، إلا أن الهدف النهائی للإصلاح کان لتشجیع الطلاب على الإبداع والمبادرة والتخفیف من تحدی الامتحانات التی توجه المناهجthe exam driven curriculum أو ما یسمى بالمناهج المقترنة بالاختبارات عالیة المخاطرhigh-stakes exams وشملت هذه المبادرة التغییرات الرئیسة التالیة فی المناهج الدراسیة:

-        تعزیز المواقف التعلیمیة والقیم، والتخفیف من نقل المعرفة المجردة.

-        تشجیع خبرات تعلیمیة أکثر شمولیة وتوازنًا، والحد من السلوک القائم على المعرفة.

-        تحسین الصلة والاهتمام بمحتوى المناهج الدراسیة، والحد من المعرفة التی مصدرها الکتاب Bookish knowledge.

-        الحد من التکرار والحفظ عن ظهر قلب نحو مزید من مشارکة الطالب وخبرات الحیاة الواقعیة والقدرة على التواصل والعمل الجماعی وتحلیل المشکلات وحلها.

-        التقلیل من الترکیز على أهمیة وظائف الفحص والاختیار للتقییم، والتأکید بدلًا من ذلک على الوظائف التکوینیة والبنائیة للتقییم.

-        الاتجاه نحو اللامرکزیة، مما یفسح المجال للتکیف مع رد تحقیق المواءمة المحلیة.

‌ج-       إصلاح نظام العاملین بالمدرسةReform of the school personnel system ([72]):

ویهدف لتعزیز الکفاءة المهنیة بین مدیری المدارس والمعلمین، ویسمح النظام الجدید لمدیری المدارس من تکوین فریق مدرسی لتولی المهام الیومیة والتربویة لإدارة المدرسة. کما أن إحدى المهام الرئیسة لهذه المبادرة، هی تأسیس نظام للتصنیف المهنی وجدولة جدیدة لرواتب مدیری المدارس؛ والهدف من ذلک الحد من تأثیر البیروقراطیة على مدیری المدارس وتشجیعهم لیکونوا أکثر استعدادًا للمساءلة المهنیة من قبل أصحاب المصالح الداخلیة، مثل المعلمین والطلاب.

‌د-        خطة الصین الوطنیة لإصلاح التعلیم على المدى المتوسط والمدى الطویل والتنمیة (2010 ـ 2020) ([73]):

China’s National plan for Medium ـ and longـ term education reform and Development (2010-2020).

وفقًا للترتیبات الإستراتیجیة للمجلس الوطنی للحزب الشیوعی الصینی لإعطاء الأولویة للتعلیم وتحویل الصین إلى دولة غنیة فی مواردها البشریة، تم وضع هذه الخطة لتعزیز الجودة الشاملة للمواطنین، وتعزیز التنمیة التعلیمیة بطریقة علمیة، والإسراع من وتیرة التحدیث الاشتراکی. وقد وضعت هذه الخطة استجابةً لعدة تحدیات، کان من أهمها:

-        مفهوم التعلیم والمناهج الدراسیة قدیم نسبیًّا.

-        تشکل الواجبات المنزلیة عبئًا ثقیلًا على طلاب المدارس الابتدائیة والمتوسطة.

-        النقص فی إعداد المعلمین من حیث الإبداع والتنوع.

-        التوزیع غیر العادل للموارد التعلیمیة.

-        لا یتناسب تمویل التعلیم مع الطلب علیه.

وتضمنت الإستراتیجیة العامة للخطة عدة مبادئ توجیهیة وتنفیذیة کالتالی:

1-   المبادئ التوجیهیة:

-        التمسک بشعار الاشتراکیة العظیم ذی الخصائص الصینیة.

-        تنفیذ مبادئ الحزب الشیوعی الصینی على التعلیم وجعل التعلیم فی خدمة الشعب.

-        التعزیز الشامل للتنمیة العلمیة والتعلیم، استنادًا على الشروط الأساسیة للأمة خاصة الاشتراکیة.

2-   المبادئ التنفیذیة:

-        إعطاء أولویة إستراتیجیة لتطویر التعلیم.

-        الاهتمام برعایة الشعب قبل کل شیء آخر باعتبارهم الفئة المستهدفة للتعلیم.

-        التعامل مع الإصلاح والتجدید باعتبارهما القوة الدافعة الأهم لتطویر التعلیم.

-        أن تکون المساواة فی الحصول على التعلیم لها الأولویة فی سیاسة الدولة.

-        الاهتمام بتحسین الجودة باعتبارها المهمة الرئیسة لإصلاح التعلیم والتنمیة.

وجاء من بین الأهداف الإستراتیجیة لهذه الخطة، والتی یجب تحقیقها بحلول عام 2020 ما یلی:

-        تعمیم التعلیم إلى أبعد حد، تعمیم تعلیم ما قبل المدرسة وتوحید التعلیم الإلزامی لمدة تسع سنوات وتعزیزه، مع زیادة معدلات الالتحاق بمرحلة التعلیم المتوسط الأعلى إلى 90% Senior middle school education وزیادة معدلات الالتحاق بالتعلیم العالی إلى 40%.

-        توفیر التعلیم للجمیع على قدم المساواة، ویجب أن یظل التعلیم موجه فی طبیعته نحو رفاهیة العامة، وضمان المساواة فی الالتحاق به، وإنشاء شبکة خدمات التعلیم العام الأساسیة التی تغطی المناطق الحضریة والریفیة؛ لتوفیر خدمات متساویة، وتضییق حدة الفوارق الإقلیمیة فی هذا المجال، کما ینبغی بذل الجهود المکثفة؛ لتشغیل کل مدرسة بشکلٍ جید، وتقدیم أفضل تعلیم ممکن لکل طالب.

-        طرح جودة التعلیم بطرقٍ مختلفة، حیث یجب تعزیز جودة التعلیم ککل، مع ارتفاع فی مستوى تحدیث التعلیم لأقصى حد مع زیادة مطردة لموارد التعلیم عالی الجودة؛ لتحسین تلبیة حاجات المواطنین من التعلیم الجید. کما یجب العمل على تحسین الوعی الأیدیولوجی للطلاب وسلوکهم الأخلاقی والتحصیل العلمی والثقافی والصحة البدنیة، وکذلک تطویر قدرات العاملین فی مختلف میادین الحیاة لخدمة الوطن والشعب وتنامی المشارکة فی المنافسة العالمیة.

وتظهر حرکة الجودة التعلیمیة فی الصین، توظیفًا للمصطلحات الغربیة المتداولة فی هذا الشأن، مثل: الجودة، واللامرکزیة، والإدارة من خلال المدرسة، والمنافسة والمساءلة. فتلک المصطلحات منصوص علیها فی وثائق السیاسة التعلیمیة فی الصین، وهی موضع التنفیذ وإن کانت فی سیاق مختلف عن السیاق الذی ظهرت فیه. وتسعى الصین من خلال حرکة جودة التعلیم وتوظیف مصطلحاتها الغربیة، إلى تحقیق هدف مزدوج یتمثل فی "تحقیق جودة التعلیم مع المساواة" فی الالتحاق بالتعلیم، وتمکین الطلاب والمعلمین وأولیاء الأمور فی اتخاذ القرارات التعلیمیة وبناء القدرات المهنیة؛ لإصلاح المناهج الدراسیة، فضلًا عن تقدیم الدعم النظامی للإدارة من خلال المدرسة.

ثانیًا ـ الوضع الراهن لتعلیم الظل فی الصین:

وفی هذا المحور سوف یتم تناول العناصر الآتیة:

  1. القوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة بالصین:

یمکن توضیح القوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة بالصین من خلال البُعدین التالیین:

البُعد الأول: یرتبط بالرؤى ـ التاریخیة أو المعاصرة ـ المرتبطة ببعض القضایا التربویة، والتی أثرت بشکل ملحوظ على انتشار تعلیم الظل فی الصین، والتی منها:

         ‌أ-         الثقافة الصینیة: ([74])

 أثرت قیم الثقافة الکونفوشیوسیة فی ثقافة التعلیم الصینی، تلک الثقافة التی تؤکد على قیم الاجتهاد واحترام التعلیم، وفى ذلک تذکر الکونفوشیوسیة أنه: "ینبغی بذل الجهد لتحسین الذات، بدلًا من قبول قدرات المیلاد والظروف الراهنة “effort for self-improvement rather than acceptance inborn abilities and existing circumstances” حیث یتم تربیة الطلاب على استیعاب قیمة العمل الدؤوب والتحسین المستمر. وقد أتاح النمو الاقتصادی المتعاظم فی العقود القلیلة الماضیة، الدخل المناسب الذی یتیح للآباء الاستثمار فی مختلف أشکال التعلیم، بما فی ذلک تعلیم الظل. بالإضافة إلى أن سیاسة الطفل الواحد One-child policy، قد سمحت لزیادة دخل الأسر الصینیة نتیجة الانخفاض فی عدد الأطفال لکل أسرة، ومن ضخ مزید من الأموال فی الاستثمار فی خدمات تعلیم الظل.

       ‌ب-       تسویق التعلیم وتمویله: ([75])

یرتبط تسویق التعلیم فی الصین بالتحول نحو اقتصاد السوق الاشتراکی، والذی تم وضع الإطار المنظم له عام 1978. وبموجب اقتصاد السوق الاشتراکی تحول تمویل وإدارة التعلیم بعیدًا عن نظام شدید المرکزیة، قائم على التمویل الحکومی المحدود إلى نظام هرمی قائم على الإیرادات المتنوعة. وقد أدت قوى السوق فی قطاع التعلیم إلى زیادة الفوارق، ولا سیما بین المناطق الریفیة والحضریة، کما غیرت من أدوار المعلمین، وأصبح انتشار مؤسسات الدروس الخصوصیة وتزایُد قبول فکرة أن المعلمین قد یتلقون دخلًا إضافیًّا فی مقابل تقدیم خدمات تعلیمیة إضافیة جزءًا من هذا التحول الأوسع.

کما شجعت الدولة إدارة المدارس من قبل المواطنین الأفراد، وظهرت العدید من شرکات الدروس الخصوصیة أیضًا، وطُبّق نظام جدید للرواتب على مستوى التعلیم الإلزامی عام 2009 بهدف تنظیم دخل المعلمین وتعزیز الفعالیة، وتمت إضافة ما یُسمى بمکافأة الجدارة Merit pay لنظام الرواتب؛ لاستکمال الأجور الأساسیة والعلاوات المختلفة، وقد استفاد من هذا الإصلاح فی الأساس کبار المعلمین ومدیری المدارس، وعمت فائدة أقل على المعلمین المبتدئین. وبما أن تحمل العبء الأکبر فی تنفیذ وتمویل مکافأة الجدارة یقع على الحکومات المحلیة، فقد تعثرت المناطق والمحافظات منخفضة الدخل فی تنفیذ هذه السیاسة؛ وأدى ذلک إلى زیادة الفوارق فی توزیع الدخل بین المعلمین، وزادت المنافسة فیما بینهم لإیجاد دخل إضافی من خلال الدروس الخصوصیة.

 

 

       ‌ج-       التوسع فی التعلیم العالی: ([76])

أدى التوسع فی التعلیم العالی فی الصین إلى تحسین فرص خریجی المدارس الثانویة للالتحاق بالجامعات؛ ففی عام 1990 التحق 27.3% من خریجی المدارس الثانویة بالتعلیم العالی، وبلغت النسبة عام 2011 (86.5%). وعندما أصبحت "البوابة الضیقة أکثر اتساعًا"، اعتبرت المزید من الأسر أنفسهم فی نطاق الالتحاق بالتعلیم العالی، وأدى ذلک بدوره إلى زیادة وطأة المنافسة بین الأسر لإلحاق أبنائهم بالجامعات.

وأصبح امتحان القبول بالجامعة الوطنیة Gaokao ــــ وبصورة متزایدة ـــ ساحة لمعرکة تنافسیة بین طلاب المدارس الثانویة للقبول فی الجامعات مرتفعة المکانة؛ وترتب على ذلک تزاید الضغوط من قبل طلاب الثانویة الدنیا للالتحاق بالمدارس الثانویة العلیا، من خلال امتحانات القبول بها Zhong kao. ویتنافس طلاب المرحلة الابتدائیة للقبول بالمدارس الثانویة الدنیا البارزة، ویتنافس الأطفال فی ریاض الأطفال على الالتحاق بالمدارس الابتدائیة المتمیزة، وسعیًا نحو القبول بالمدارس والجامعات المرموقة، یلجأ کثیر من أولیاء الأمور إلى تعلیم الظل أملًا فی تأمین نجاح أبنائهم فی امتحانات القبول بالجامعات والمدارس الثانویة العلیا.

البُعد الثانی ـ مؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة:

تشهد الصین ضغوطًا متزایدة من قطاعها السکانی العریض والممتد، والتغیرات فی نمط اقتصادها الحدیث ـ اقتصاد السوق الاشتراکی ـ والتی تؤثر بدورها على مؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة، ویوضح الجدول التالی توزیع المشارکة فی الدروس الخصوصیة والعوامل المؤثرة ذات الصلة.

 

جدول رقم (1)

توزیع المشارکة فی الدروس الخصوصیة والعوامل المؤثرة ذات الصلة (*)

العوامل

توزیع المشارکة فی الدروس الخصوصیة

المناطق Regions

المناطق الحضریة ـ المناطق الریفیة ـ شرق الصین ـ وسط الصین ـ غرب الصین ـ العاصمة ـ المدینة ـ القریة.

مستوى التعلیم

Level of education

مستویات التعلیم الإلزامی ـ مستویات ما بعد التعلیم الإلزامی.

الصفوف Grades

الصفوف فی نقاط التحول (الصفوف النهائیة للانتقال من مرحلة لأخرى) ـ صفوف أخرى.

المدارس

(النوع) Type

(الجودة) Quality

 

مدارس عامة/ مدارس خاصة/ مدارس مهنیة/ مدارس عادیة.

مدارس النخبة ـ مدارس أساسیة ـ مدارس عادیة ـ مدارس نموذجیة.

الأسرة/ الفرد

- المکانة الاجتماعیة/ الاقتصادیة

- عدد الأقارب

- التحصیل الأکادیمی

 

أسر مرتفعة الدخل/ أسر منخفضة الدخل/ آباء ذوو مستوى عال من التعلیم/ آباء ذوو مستوى منخفض من التعلیم.

الطفل الواحد ـ عدد من الأقارب.

طلاب متفوقون ـ فوق المتوسط ـ متوسطو التحصیل ـ دون المتوسط.

ویتضح من الجدول السابق تعدد وتداخل المتغیرات المؤثرة فی مدى وحجم المشارکات فی الدروس الخصوصیة فی الصین، حیث یؤثر مفهوم السوق ونوع المدرسة وطبیعة المجتمع (خاصة مؤسسة الأسرة) فی إدراک ووعی الأسر بأهمیة الاستثمار فی تعلیم الظل. ویظهر ذلک جلیًّا فی المناطق الحضریة عنها فی المناطق الریفیة، وفی الصفوف النهائیة للانتقال من مرحلة تعلیمیة لأخرى عنها فی الصفوف الأخرى. وترتیبًا على المتغیرات السابقة، تظهر مؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة فی الصین کالآتی:

‌أ-         متغیرات السوق ومؤشرات العرض للدروس الخصوصیة: ([77])

یغلب على سوق العرض للدروس الخصوصیة فی الصین الطابع الجماعی، وتضم الدروس الخصوصیة الجماعیة هناک: المدارس الصغیرة Small-scale schools، والمدارس الکبیرة الموضوعیة (أی متخصصة فی الموضوعات التی تقدمها) Thematic Large schools، وسلاسل المدارس الکبیرة Large-scale chained schools.

وغالبًا ما تقدم المدارس الصغیرة خدمات متعددة، کالتوجیه لعمل الواجبات المنزلیة ومراجعة الدروس وحتى خدمات تقدیم الطعام، وتقتصر خدمات تلک المدارس فی معظمها على طلاب المرحلتین الابتدائیة والمتوسطة، کما تتنوع الأماکن التی تقدم بها الدروس الخصوصیة لهذا النوع من المدارس، فتکون فی منازل المعلمین، وفی المبانی التجاریة بالقرب من المناطق التعلیمیة، وداخل المدارس الرسمیة أو المناطق السکنیة العامة.

وترکز المدارس الکبیرة الموضوعیة ـ بشکلٍ کبیر ـ على تدریس الموضوعات الفردیة والمناهج البدیلة للمناهج الرسمیة، مثل: اللغة الإنجلیزیة التابعة لکامبریدج، أو الریاضیات التابعة لمؤسسة کیمون، وتقدم أیضًا بعض الأسالیب الفنیة المساندة لتعزیز مهارات الحفظ والتذکر فی مراجعة الدروس والتحضیر للامتحانات، وللمدارس الناجحة من هذا النوع فروع فی مراکز التسوق، وبالقرب من المناطق التعلیمیة أو السکنیة العامة.

أما سلاسل المدارس الکبیرة فتحظى بالرواج والانتشار لتوظیف وسائل الإعلام والتسویق المتخصصة للإعلان عنها، وتستهدف هذه السلاسل بصفة رئیسة طلاب المدارس الثانویة العلیا لإعدادهم لدخول الامتحانات العامة، ولا یزید عدد الطلاب فی کل فصل من فصول هذه المدارس عن 45 طالبًا، وترکز الدروس المقدمة فی الغالب على الامتحانات العامة، من خلال توفیر المذکرات وتمارین المراجعة وخدمات المتابعة على الإنترنت، وتشمل هذه المدارس طوابق کاملة من المبانی التجاریة فی المناطق الحضریة والمزدحمة، مع توفیر نظام مریح للنقل العام.

ویلاحظ على مؤشرات العرض للدروس الخصوصیة فی الصین غلبة الصبغة التجاریة علیها، والتی قد تولد الطلب على أنواع المدارس المختلفة التی یتضمنها العرض، خاصة مع استخدام وسائل الإعلام المختلفة لجذب العملاء من أولیاء الأمور والطلاب، فتلک المدارس موجهة نحو مقابلة حاجات عملائها المتنوعة، سواء کانت تلک الحاجات المساعدة فی حل الواجبات المنزلیة، أو مراجعة الدروس، أو تدریس موضوعات محددة، فضلًا عن مساندة الطلاب لدخول الامتحانات، مستخدمة فی ذلک التقنیات الحدیثة لا سیما خدمات الإنترنت.

‌ب-       متغیرات السوق ومؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة: ([78])

تتسم مؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة ـ تأثرًا بمتغیرات السوق ـ بتعدد مستویاتها، وذلک على النحو التالی:

-        على مستوى الأسرة (Micro) یترکز معظم إنفاق الأسر على طفل أو اثنین فی المراحل التعلیمیة المختلفة، وذلک بسبب التقید الصارم بسیاسة الطفل الواحد. فالآباء على استعداد تام لتحمل تکالیف الدروس الخصوصیة کلما کان ذلک ضروریًّا، خاصة إذا کان لیس لدیهم وقت الفراغ الکافی لتعلیم أطفالهم، بینما فی حالات أخرى یلجأ الآباء لخدمات الدروس الخصوصیة لافتقارهم للمؤهلات العلمیة ذات الصلة لتدریس أطفالهم فی سن المدرسة.

-        على المستوى المدرسی، مع الحجم الکبیر للفصول وفترات الدراسة الطویلة والمقررات ذات الاختبارات المفتوحة، یکون من الصعوبة بمکان توفیر الرعایة الکافیة للطلاب من قبل المدرسة، ویؤدی هذا القصور الأکادیمی فی نهایة المطاف إلى الطلب على الدروس الخصوصیة، وعلى الرغم من تطبیق سیاسة اللامرکزیة فی إدارة وتمویل معظم المدارس الحکومیة والخاصة فی الصین، إلا أن المناهج الدراسیة ما تزال تحت الرقابة الصارمة من قبل الدولة ووزارات التعلیم المحلیة، وما تزال المناهج المتمرکزة حول الامتحانات مهیمنة فی المرحلتین الابتدائیة والثانویة. ویکشف تحلیل المحتوى لثمانیة إصدارات مختلفة من الکتب المدرسیة فی الصین مدى الاهتمام والترکیز الکبیر على مهارات الاختبارات المفتوحة خاصة فی مرحلة الثانویة العلیا.

-        على المستوى المجتمعی، ثمّة عوامل مجتمعیة أدت إلى ظهور ثقافة الاختبارات المفتوحة فی الصین، وهی:

  • الاجتهاد الأکادیمی والاختبارات المفتوحة لاختیار النخبة، هو أمر متجذر ومتوارث فی الثقافة الصینیة.
  • الاهتمام بالاعتماد.
  • یعتبر التعلیم المسار الرئیسی للحراک الاجتماعی لأعلى.
  • المستویات المرکبة والمعقدة للمناهج الدراسیة.

وفی ضوء هذه العوامل، وخوفًا من فقدان فرص الالتحاق بالجامعات، أو لمواجهة التنافسیة المجتمعیة، یلجأ معظم الطلاب وأولیاء أمورهم فی النهایة إلى طلب خدمات الدروس الخصوصیة، إما للاستثمار التعلیمی أو لمبررات الضمان الاجتماعی.

وإجمالًا، ووفقًا لمنطق السوق، یمکن القول بسیادة الاعتبارات العملیة فی سوق العرض والطلب على الدروس الخصوصیة فی الصین، فنتیجة لتعدد مستویات الطلب على الدروس الخصوصیة وتنوع المدارس فی جانب العرض، یمکن الطلاب وأولیاء الأمور من تبنی خیارات المستهلک وفقًا لحاجاتهم التعلیمیة ودرجة القدرة على تحمل تکالیف الدروس الخصوصیة، خاصةً مع نجاح مقدمی الخدمة والقائمین علیها فی تسویق منتجهم التعلیمی. کما تفسر التنافسیة المجتمعیة ـ کوسیلة لتحقیق مکانة اجتماعیة واقتصادیة مرتفعة ـ إقبال الطلاب ذوی التحصیل المرتفع على الدروس الخصوصیة أکثر من أقرانهم من ذوی التحصیل المنخفض، وفی المناطق الحضریة والمدن المتنافسة اجتماعیًّا أکثر من المناطق الریفیة.

  1. حجم تعلیم الظل فی الصین:

یتم التعامل مع الدروس الخصوصیة فی الصین کنوع من الضرورات الیومیة أو السلعة التجاریة، ویصعب على الحکومات المرکزیة والمحلیة إعاقة نمو الدروس الخصوصیة فی الصین نظرًا لانتشار الترویج للدروس الخصوصیة على نطاق واسع.

وبالنظر إلى الصین یُلاحظ أن ثمّة علاقة بین مستوى الطلاب والدروس الخصوصیة؛ حیث یعتبر طلاب المناطق الحضریة، وهؤلاء ممن ینتمون لمستویات اجتماعیة ـ اقتصادیة مرتفعة أکثر طلبًا للدروس الخصوصیة بالمقارنة مع طلاب المدارس العادیة، فإن أقرانهم فی مدارس النخبة أکثر إقبالًا على الدروس الخصوصیة، ویشیر ذلک إلى ارتباط معدلات مشارکة الطلاب فی الدروس الخصوصیة ارتباطًا طردیًّا/ إیجابیًّا مع جودة المدارس الملتحق بها هؤلاء الطلاب، نظرًا لضغط الأقران ومستوى التنافسیة العالی فی مدارس النخبة فی الصین. فالمدارس قویة السمعة فی إنجازها الأکادیمی ذات بیئات تنافسیة مرتفعة، وکذلک تطلعات طلابها الأکادیمیة، مما یسهم فی زیادة الطلب على الدروس الخصوصیة ([79]).

  1. أشکال تعلیم الظل فی الصین:

وفیما یتعلق بأشکال تعلیم الظل، تسمح أغلب وزارات التعلیم المحلیة بتقدیم الدروس الخصوصیة المعروفة باسم “buxi-ban” على نطاق تجاری، واعتمادها لسیاسة عدم التدخل. وتقدم الأنواع المختلفة من مدارس الدروس الخصوصیة الجماعیة ـ والسابق الإشارة إلیها ـ خدماتها للطلاب بعد ساعات الدوام المدرسی، حیث توفر تلک المدارس مدى واسع من الخدمات من التوجیه فی عمل الواجبات المنزلیة إلى مراجعة الدروس والتأهیل للاختبارات المفتوحة على مستوى الدولة، فضلًا عن توفیر المناهج أو المقررات البدیلة ـ مثل الإنجلیزیة التابعة لکامبریدج ـ أو حتى مساعدة طلاب الثانویة العلیا للنجاح فی الامتحانات الدولیة المفتوحة المؤهلة للدراسة فی الخارج، مثل (IELTS/ TOEFL). وتسجل هذه المدارس کنوع من الشرکات التجاریة لها شهادات رسمیة فی التجارة وأمور الضرائب ([80]).

کما تلعب تکنولوجیا الاتصالات والمعلومات دورًا هامًّا فی توفیر أشکال مختلفة من الدروس الخصوصیة خارج حدود المسافات الجغرافیة والأوقات المادیة، ومواقع الدروس الخاصة على الإنترنت مسجلة على أنها منظمات تجاریة عبر الإنترنت، وهی لیست تحت الرقابة المباشرة لوزارات التعلیم المحلیة والمرکزیة فی الصین، وقد تنامى انتشار هذه المواقع فی السنوات الخمس الماضیة، ویُدفع مقابل ما تقدمه من خدمات من خلال البنوک وبالعملة المحلیة للصین (الیوان) ([81]).

وتشمل خدمات الدروس الخصوصیة عبر الإنترنت توفیرالمحاضرات، والتدریب على التمارین وحلولها، استعدادًا للاختبارات المدرسیة، والامتحانات التجریبیة، وجلسات الأسئلة والأجوبة عبر الرسائل الفوریة. وتنشر مواقع الدروس الخصوصیة إعلاناتها لزوار شبکة الإنترنت؛ حیث توزع المنشورات الدعائیة وکتیبات الخدمات التعلیمیة على الشبکات فی الأماکن العامة، والمبانی التجاریة، ولوحات الإعلانات، وأرفف المجلات ومراکز التسوق ([82]).

  1. معلم تعلیم الظل فی الصین:

ینص قانون تعزیز التعلیم فی الصین على ضرورة أن یکون لمعلمی مراکز الدروس الخصوصیة نفس الحد الأدنى من مؤهلات معلمی المدارس الرسمیة، ومن المرفوض ـ إلى حد کبیر ـ أن یقدم معلمو المدارس الدروس الخصوصیة؛ فاللوائح الوطنیة للأخلاقیات المهنیة للمعلمین تشیر إلى أن المعلمین یجب أن یرفضوا بشکل واعٍ تقدیم الدروس الخصوصیة مدفوعة الأجر، ویجب ألا یحققوا مکاسب شخصیة من مواقعهم کمعلمین، وفی هذا المجال، أدخلت حکومة الصین إصلاحات عدة، تضمنت ما یُسمى راتب الجدارة کحافز اقتصادی یحد من قیام المعلمین بتقدیم الدروس الخصوصیة، وتستعین مدارس الدروس الخصوصیة بطلاب الجامعات ـ والذین یعملون بشکل غیر رسمی ـ ومعلمی المدارس الرسمیة خاصة هؤلاء الذین یستطیعون جذب مزید من الطلاب من خلال سمعتهم و/ أو علاقاتهم. کما قد تستعین بالعاطلین عن العمل ولدیهم خبرة فی مجال التدریس، ویوظف عدد قلیل من مراکز الدروس الخصوصیة الأجانب، ومعظم تلک المراکز یتوافر لدیها فریق للتسویق بالإضافة إلى فریق التدریس، کما أن للشرکات الکبرى العاملة فی هذا المجال فرق لتطویر المناهج الدراسیة والإدارة. ([83])

وللمعلمین المرموقین min gshi جاذبیة قویة فی السوق، مبنیة على سمعتهم من نجاح طلابهم السابقین فی الاختبارات. کما أن هناک شبکة عملاقة من المعلمین ذوی الخبرة (عادة المعلمین الأوائل) ینشرون مؤهلاتهم التعلیمیة وخبراتهم التدریسیة ورسوم الدروس الخصوصیة والموضوعات التی یقومون بتدریسها عبر مواقع التواصل الاجتماعی والإنترنت؛ لإیجاد عملاء جدد بدلًا من طلابهم فی الفصول الدراسیة النهاریة. ([84])

  1. سیاسات التعلیم الحکومیة وتعلیم الظل فی الصین:

ترکز حکومة الدولة فی الصین وحکوماتها المحلیة على مراقبة وتنظیم نموذج إدارة الأعمال للدروس الخصوصیة الجماعیة، ولکن دون أی ضغط على ضمان جودتها. وتؤول الرقابة المباشرة على الدروس الخصوصیة للوزارات المحلیة على مستوى المحافظات والبلدیات والتی تسمح بتقدیم الدروس الخصوصیة من منطلق تجاری بحت واعتماد سیاسة عدم التدخل. وفی الوقت نفسه یحظر على معلمی المدارس الرسمیة تقدیم الدروس الخصوصیة لطلابهم على مستوى الدولة والحکومات المحلیة فی الصین، بسبب ما ینشأ من مشکلات ترتبط بالتفاوت الاجتماعی. ([85])

وفی هذا السیاق، تسعى السلطات ـ خاصة على المستوى الوطنی ـ لتوجیه سلوک المعلمین من خلال تعزیز الأخلاق. حیث تقرر قواعد الأخلاق المهنیة للمعلمین أنهم یجب أن یرفضوا ـ بوعی ـ تقدیم الدروس الخصوصیة مدفوعة الأجر، وألّا یتکسبوا بشکل شخصی من وظائفهم کمعلمین. وفی عام 2013 صدرت المزید من اللوائح لتعزیز بناء وتطویر الأخلاق المهنیة للمعلم، بل وافترضت وزارة التربیة والتعلیم فی الصین أیضًا وضع نظام للعقوبات، وقد یکون لحکومات المقاطعات وحکومات الحی والمدارس المزید من لوائح العقوبات؛ على سبیل المثال تحذر سلطات Chongqing  معلمیها من تقدیم الدروس الخصوصیة خلال أیام الأسبوع، وعلى النقیض من ذلک تمنع اللوائح فی مقاطعات Guangdong, Xinjiang, Tianjin, Jiangsu, and Shandong معلمیهم من تقدیم الدروس الخصوصیة فی أی وقت. ([86])

وعلى الرغم من قسوة العقوبات حال ثبوت قیام المدرسین بتقدیم الدروس الخصوصیة (تخفیض رتبهم المهنیة، الحرمان من الترقیة، خفض رتبة مدارسهم، أو حتى الفصل من وظائفهم) إلا أن 60% من معلمی المدارس العامة فی المدن الکبرى ما یزالون یقدمون الدروس الخصوصیة لطلابهم ([87]).

وتضع حکومة الدولة المرکزیة فی الصین خطط عمل إستراتیجیة للرقابة على الدروس الخصوصیة یوضحها الجدول التالی:


جدول رقم (2)

خطط العمل الإستراتیجیة للرقابة على الدروس الخصوصیة فی الصین (*)

الجوانب المؤثرة

النتائج على المدى القصیر أو أقل الموارد المطلوبة

النتائج المرحلیة أو الموارد الإضافیة المطلوبة

النتائج بعیدة المدى أو الموارد الزائدة المطلوبة

الطلب

-   تقدیم دروس مجانیة بعد المدرسة

-   خفض نسبة الطالب للمعلم أو حجم الفصل الدراسی.

-   إصلاح المناهج الدراسیة مع تخفیف الترکیز على الاختبارات التحصیلیة.

-   تعدد وتنوع مسارات وقنوات التقییم لاختیار خریجی الجامعات.

-   إعادة هیکلة البنیة المدرسیة وحل المشکلات.

-   التحول فی قیمة ومدلول الامتحانات فی الثقافة المدرسیة من خلال الإصلاحات التعلیمیة والحملات المجتمعیة.

العرض

-   تبسیط وسلامة متطلبات التسجیل فی مدارس الدروس الخصوصیة الجماعیة.

-   التشریعات ضد المدارس والمعلمین المخالفین.

-   الرقابة والتفتیش على الدروس الخصوصیة منعًا للممارسات الخاطئة.

-   توقیع العقوبات على ممارسات المدارس والمعلمین الخاطئة.

-   زیادة رواتب المعلمین.

-   منع المعلمین الرسمیین من تقدیم الدروس الخصوصیة لطلابهم فی فصولهم النهاریة.

-   مکافحة فساد المدارس.

ویوضح الجدول السابق لخطط العمل الإستراتیجیة للرقابة على الدروس الخصوصیة، توجُّه الحکومة المرکزیة فی الصین فی تعاملها مع ظاهرة تنامی وانتشار الدروس الخصوصیة نحو إحداث مجموعة من التوازنات بین الاعتبارات التعلیمیة والتجاریة، خاصةً أن تعلیم الظل قد تأثر بقوة أکبر بالقطاع التجاری عن القطاع التعلیمی. وهو اعتراف ضمنی من قبل واضعی السیاسات فی الصین بدور تعلیم الظل فی التغلب على سلبیات نظام التعلیم الوطنی ـ لا سیما ما یتعلق بالتقییم والامتحانات ـ أو دوره فی حفز إجراءات الإصلاح والتطویر التعلیمی؛ لتحویل الصین إلى دولة غنیة فی مواردها البشریة، قائمة على اقتصاد حدیث یغلب علیه الطابع الاشتراکی.

وتفصیلًا لخطط العمل السابقة، وفی ضوء مدخل السیاسة کممارسة والسابق الإشارة إلیه فی الإطار النظری، وضعت حکومة الصین المرکزیة السیاسات الإصلاحیة التالیة، والتی شملتها خطة الصین الوطنیة لإصلاح التعلیم على المدى المتوسط والمدى الطویل والتنمیة (2010 ـ 2020) ([88]):

‌أ-         سیاسات التقییم والامتحانات:

ویتحقق من خلالها الممارسات التالیة:

-        إصلاح شهادة الثانویة العامة من جولة واحدة من الامتحانات المقررة لمصیر الطلاب إلى إتاحة خیارات متعددة للطلاب لتقییم الطلاب بشکل شامل.

-        إعادة تنظیم الامتحانات والتسجیل فی المرحلة الثانویة من خلال تحسین امتحانات الکفاءة الأکادیمیة، وتقییم القدرات الشاملة للطلاب للقبول بالمدارس الثانویة الدنیا.

-        تحسین الامتحانات وإجراءات الالتحاق بمرحلة التعلیم العالی، من خلال إصلاح محتوى وأشکال الامتحانات، وتحول الترکیز على اختبار الجودة والقدرات الشاملة للطلاب.

وسوف یتم إنشاء بنک وطنی للأسئلة حول موضوعات الامتحانات ومدى تطابقها لمتطلبات اختیار الطالب الجامعی والمناهج الدراسیة الوطنیة، وذلک للتأکد من علمیة الامتحانات على مستوى الدولة.

ویمکن تقسیم سیاسات إصلاح التقییم والامتحانات إلى ثلاث فئات: تربویة وتعویضیة وسیاسات السوق المرتبطة بوعی وإدراک المشاکل والحاجات التعلیمیة والاجتماعیة. فالإصلاحات التربویة غیرت من شکل ومحتوى الامتحانات باعتبارها أداة لتقییم الغایات التربویة المنشودة. وتعبر هذه الإصلاحات عن التساؤل: کیف یمکن أن تصبح الامتحانات أکثر علمیة، مما یمثل تقییمًا عادلًا وصحیحًا للمعارف والمهارات المرغوبة، أما الإصلاحات التعویضیة فجاءت لتلبیة دعوة حکومة الصین للاهتمام بالتدریس التطبیقی والنقدی المتمرکز حول طلاب المدارس الثانویة، وتضمنت إعفاء نسبة صغیرة من الطلاب من دخول الامتحانات والقبول مباشرة بالجامعات، وسیاسات "العمل الإیجابی"، أو ما یُعرف بنقاط المکافأة bonus points، وإضافة تقییمات خاصة بالمکافآت والمسابقات.

وتعبر هذه الإصلاحات التعویضیة عن التساؤل: هل اختیار واحد یحدد مستقبل الطالب بأکمله، وتستجیب إصلاحات السوق لدعوات اللامرکزیة التعلیمیة وزیادة استقلالیة الجامعات والمدارس الثانویة، ومن شأن هذه الإصلاحات أن تسمح للمؤسسات التعلیمیة فی المناطق المختلفة من الصین أن تکون أکثر قوة فی صناعة قراراتها المرتبطة بنوع التعلیم الذی ترغب فی تقدیمه لطلابها، وأی نوع من الطلاب یمکنه الالتحاق بهذه المؤسسات.

 

 

 

‌ب-       سیاسات إصلاح أحوال المعلمین:

وتتضمن الممارسات التالیة:

-        تعزیز الأخلاقیات المهنیة بین المعلمین: من خلال تنمیة وعی المعلمین بأهداف المهنة وأخلاقیات العمل؛ لتعزیز شعورهم بالمسئولیة فیما یقومون به من مهام، خاصة تصدیر المعرفة لطلابهم وتوعیتهم وتعلیمهم، وإکساب المعلمین قیم احترام الذات والانضباط الذاتی، فضلًا عن اعتماد حزمة متکاملة من الآلیات طویلة المدى لتعزیز أخلاقیات العمل الأکادیمی والتحقیق ومعاقبة أی سلوک أکادیمی مسیء.

-        رفع الکفاءة المهنیة للمعلمین: من خلال تحسین نظم رعایة المعلمین وتدریبهم؛ لرفع کفاءتهم الأکادیمیة والتربویة وإدخال نظام التبادل الأکادیمی، مع الاستعانة فی ذلک بالموجهین والمعلمین المشهود لهم فی مختلف التخصصات الأکادیمیة.

-        رفع المکانة الاجتماعیة للمعلمین ورواتبهم والامتیازات: من خلال التحسین المستمر لظروف العمل والتعلم والمعیشة للمعلمین وسن التشریعات، لیکون متوسط الراتب للمعلمین أعلى ـ ولیس أقل ـ من رواتب موظفی الخدمة المدنیة. وسوف یتم تحدید رواتب المعلمین على أساس أدائهم، وستکون سیاسات الأجور واعتماد الألقاب الأکادیمیة والإداریة لصالح العاملین منهم فی المناطق النائیة والحدودیة، إلى جانب تحسین سیاسات الضمان الاجتماعی للمعلمین (التأمین الصحی والتقاعد). وستکافئ الدولة المعلمین الذین قدموا إسهامات ممیزة، أو عملوا لفترات طویلة فی المناطق الریفیة.

 

 

‌ج-       سیاسات إصلاح التشریعات التعلیمیة:

تحقیقًا لنظام متکامل نسبیًّا من تشریعات التعلیم الاشتراکیة ذات الخصائص الصینیة، وبناء على احتیاجات التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، سیتم تعدیل قوانین التعلیم والتعلیم المهنی والتعلیم العالی، واللوائح الإجرائیة للدرجات العلمیة وقانون المعلمین، وثمّة توجه نحو سنّ تشریعات خاصة بالامتحانات والمدارس والتعلم مدى الحیاة والتعلیم ما قبل المدرسی والتربیة الأسریة، وکذلک تطویر الأنظمة الإداریة فی التعلیم، وعلى الحکومات المحلیة فی ضوء ظروفها المحلیة أن تضع القواعد واللوائح المحلیة لتعزیز وتطویر التعلیم المحلی.

کما تتضمن هذه السیاسات تعزیز وتحسین نظم الرقابة والإشراف والمساءلة. وسیتم فی هذا الصدد إنشاء مؤسسات لمراقبة التعلیم بشکلٍ مستقل نسبیًّا؛ حتى یمکن للمراقبین ممارسة سلطاتهم باستقلالیةٍ أکبر، إلى جانب تعدیل نظام الإشراف والتوجیه الوطنی لیکون أکثر فعالیة، والاهتمام على قدم المساواة بکلٍّ من الإشراف الإداری والإشراف الأکادیمی للمدارس؛ للتأکد من إنفاذ تشریعات التعلیم والتقید بسیاسات التعلیم الحکومی.

ثالثًا ـ الظهیر الثقافی لتعلیم الظل فی الصین:

ینظر إلى شرق آسیا ـ وخاصة الصین ـ بأنها ذلک الجزء من العالم الأکثر وضوحًا فیه ظاهرة تعلیم الظل، تأثرًا بالتقالید الکونفوشیوسیة التی تقدر التحصیل العلمی، وترى المؤهلات الدراسیة کطریقٍ رئیس للنهوض بالشخصیة والأسرة.

ویمکن الوقوف على الظهیر الثقافی لتعلیم الظل فی الصین من خلال السیاقات التالیة:

-        السیاق التاریخی (الثقافة الکونفوشیوسیة): لقیم الثقافة الکونفوشیوسیة جذور تاریخیة فی ثقافة التعلیم فی الصین، تلک القیم التی تؤکد على احترام التعلم والاجتهاد، لذا یتم تربیة الطلاب على استیعاب قیمة العمل والتحسین المستمر، إلى جانب احترام التسلسل الهرمی فی السلطة الأبویة؛ وهو ما یعنی أن الطلاب قد یتأثروا بشدة بوجهات نظر أفراد الأسرة الأکبر سنًّا عند اختیار مدرسیهم الخصوصیین وإدارة العلاقات الشخصیة والأکادیمیة فیما بینهم ([89]).

-        السیاق المجتمعی (الأسرة النوویة): أدت سیاسة الطفل الواحد فی الصین إلى ظهور الأسرة النوویة وزیادة الدروس الخصوصیة، وتستعین کل من أسرة الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة بالمدرسین الخصوصیین کاستثمار تعلیمی، حیث تعتبر الطبقة العاملة الدروس الخصوصیة وسیلة لتحقیق الحراک الاجتماعی لأعلى، فی حین ترغب الطبقة المتوسطة أن تظل کنخبة اجتماعیة social elites. وثمّة علاقة مباشرة وثابتة بین المستوى التعلیمی للآباء واستهلاک الدروس الخصوصیة، فکلما ارتفع المستوى التعلیمی للآباء، کلما ارتفع الاستثمار فی الدروس الخصوصیة ([90]). کما ساهم ظهور الأسرة النوویة فی زیادة الفرص المتاحة أمام الآباء والطلاب للاستعانة بالمدرسین الخصوصیین للاهتمام بحاجات الطلاب الفردیة؛ فالطلاب ذوو النتائج الأکادیمیة الناجحة فی حاجة إلى رعایة خاصة للحصول على مستویات أعلى من الإنجاز، فی الوقت نفسه الطلاب ذوو مستویات الإنجاز العادیة لدیهم بعض المهام التی یجب أن یؤدوها للحاق برکب أقرانهم، ومن ثمّ تستعین معظم الأسر فی الصین بالمدرسین الخصوصیین لمقابلة حاجات أبنائهم التعلیمیة والأکادیمیة ([91]).

-        السیاق التعلیمی (الامتحانات والتنافسیة): لأن الامتحانات هی أکثر المؤشرات الدالة على مخرجات التعلم، واقتداءً بتعالیم کونفوشیوس، فلیس من المستغرب أن یکون نظام التعلیم الصینی بأکمله موجهًا من قبل الامتحاناتexamination ـ orientedوینظر لامتحان القبول بالکلیات الصینیة The Chinese college examination على أنه امتحان عالی المخاطر، وهو کذلک بالفعل؛ لأن السبیل الوحید الذی یتمکن من خلاله غالبیة خریجی المدارس الثانویة الالتحاق بالکلیات والجامعات الطبقیة فی الصین، ومن خلاله یتحدد مدى إمکانیة وصولهم إلى کل نوع وأی درجة من درجات التعلیم العالی. مما یعکس الطموح التعلیمی، ویعبر عن التنمیة الاقتصادیة المتسارعة للصین، ویعکس فی الوقت نفسه أیضًا انتشار الدروس الخصوصیة بین طلاب المرحلة الثانویة، وینطبق ذلک بشکل خاص على طلاب المناطق الریفیة والذین یدرکون ـ بسبب القیود الجغرافیة ـ أن هذا الامتحان هو البوابة الوحیدة لترک الریف، وإیجاد فرص العمل ذات الیاقات البیضاء، والإقامة بشکل دائم بالمدینة. ([92])

وترجع الجذور الثقافة لهذا الامتحان إلى نظام الامتحان الإمبراطوری (605م ـ 1905م) (The imperial examination system/ Ke ju) ویضمن هذا الامتحان استقرار الوظائف السیادیة فی المجتمع الصینی، فهناک رئیس واحد یختار النخب المحلیة؛ لیکونوا مسئولین حکومیین وبیروقراطیین، مکونین حلقة من الاکتفاء الذاتی والولاء الأخوی الذی یعتبر جسرًا للسلالات المتعاقبة، وعلى الرغم من أوجه النقد الموجهة لإعادة الإنتاج الاجتماعی المشتق من نظام الامتحان الإمبراطوری، إلا أن امتحان القبول بالکلیات الصینیة ساعد على الاحتفاظ بالسمة الممیزة لهذا الامتحان ـ الإمبراطوری ـ وهی الجدارة والتی سمحت وأفسحت المجال لکثیر من العلماء البیروقراطیین بغض النظر عن نسب عائلاتهم. ([93])

-        السیاق الاقتصادی (اللامرکزیة وآلیات السوق): تاریخیًّا، ونظرًا لمساحتها الشاسعة والکثافة السکانیة الضخمة، کانت العلاقة المرکزیة ـ المحلیة دائمًا قضیة جوهریة فی الصین، وفی مرحلة ما قبل الإصلاح، کان المرکز المصدر الوحید للسلطة، وما یسمى بالسلطة المحلیة مجرد وکیل فقط یستجیب للمرکز، فالسلطة المرکزیة تضع کل القرارات فی القطاعات الرئیسة للدولة، فی حین أن السلطة المحلیة تنفذ فقط السیاسات المرکزیة. ([94])

وخلال ثلاثة عقود من بدایة الإصلاح الاقتصادی ـ أواخر السبعینیات ـ تم التحول تدریجیًّا من الاقتصاد المرکزی للقیادة إلى التحول نحو آلیة السوق، وبدأ المرکز یفوض مسئولیاته المالیة للمحلیات، وسمح تدریجیًّا وبشکل متزاید للمحلیات بحریة التصرف فی تخصیص الموارد، وتعیین الإیرادات والنفقات الحکومیة وتخصیص الائتمان واقتراح مشروعات الاستثمار ومراقبة الأسعار والأجور، وإدارة التجارة الخارجیة، وتشکیل السیاسات الزراعیة والصناعیة المحلیة، وفی الوقت نفسه، منح الإصلاح الاقتصادی درجة کبیرة من الاستقلالیة للشرکات الحضریة والأسر الریفیة فی الدولة بأکملها ([95]).

ولقد کان للإصلاح الاقتصادی وتبنی آلیات السوق أثره المباشر على قطاع التعلیم فی الصین، فازدهار الاقتصاد فی بیئات تنافسیة على مستوى المحلیات، عزّز من إدراک الکیانات الاقتصادیة المحلیة ـ باعتبارها وحدات ربحیة مستقلة تتوقع تحقیق الحد الأقصى من الإفادة من السوق ـ بدور مؤسسات التعلیم وأهمیتها فی الإمداد بالمهنیین والخبراء والعمال المهرة المطلوبین للتنمیة الاقتصادیة المحلیة، ومن ثمّ تشارک القطاعات المحلیة بصورة متزایدة فی شئون التعلیم. ([96]) وانعکست آلیات السوق بشکل مباشر على تعلیم الظل فی الصین، حیث تراقب الوزارات المحلیة على مستوى المحافظات والبلدیات الدروس الخصوصیة، وتسمح بتقدیمها بمنطق السوق وتبنی سیاسة عدم التدخل، خاصة بالنسبة للشرکات ومواقع الدروس الخاصة على الإنترنت والمسجلة باعتبارها منظمات تجاریة ولیست تعلیمیة.

القسم الرابع: تقییم خبرة الصین فی تعلیم الظل

تناولت الدراسة فی القسمین السابقین تعلیم الظل من منظور الأدبیات، وتعلیم الظل فی الصین، ومن ثمّ یأتی هذا القسم لیعرض تقییمًا لخبرة الصین فی تعلیم الظل فی ضوء المؤشرات النظریة للأدبیات؛ وعلیه یتناول هذا القسم محاور التقییم، والدروس المستفادة من خبرة الصین.

أولًا ـ محاور التقییم؛ وتتمثل فیما یأتی:

  1. القوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة: تعکس خبرة الصین ما جاء فی أدبیات الدراسة حول القوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة، فتحویل التعلیم فی الصین ینحو تجاه اقتصاد السوق (الاشتراکی)، والمعتمد على زیادة تدخل قوى السوق فی قطاع التعلیم، ولکن لا یمکن الجزم هنا برغبة الصین فی تضاؤل دور الدولة مقابل التوسع فی دور القطاع الخاص، بقدر ما تسعى إلى تنظیم ورقابة إسهامات القطاع الخاص فی التعلیم؛ فالصین تنفذ النوع الأول من خصخصة التعلیم التی حددها "بول ویودل" (*) حیث تصبح المدارس شبیهة بقطاع الأعمال من ربط الأجور بمستوى الأداء ومعاملة الطلاب کعملاء أو مستهلکین تتخذ کافة الإجراءات لإرضاء حاجاتهم المتنوعة.

ویُمکن تقییم تلک القوى فیما یأتی:

-        الثقافة: فیما یتعلق بالثقافة ـ کمحرک للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة ـ فتظهر بشدة فی سیاق التعلیم الصینی، نظرًا للتأثیرات العمیقة والمتجذرة لتعالیم کونفوشیوس حول الاجتهاد واحترام العلم ودوره فی تحسین الذات. وکذلک الأمر أیضًا بالنسبة لنقاط التحول فی نظم التعلیم، حیث تشیر الأدبیات أن ثمّة أنظمة تعلیمیة تکون فیها المرحلة الرئیسیة المحددة لمستقبل الطلاب هی المرحلة الثانویة العلیا، وما یترتب على ذلک من ضغوط نظرًا لقلة عدد الأماکن المتاحة فی التعلیم العالی والجامعی، ومحدودیة فرص الطلاب فی الالتحاق بالجامعات. وقد قابلت الصین تلک الضغوط من خلال إصلاح نظم التقییم والامتحانات، خاصة امتحانات القبول بالتعلیم العالی والتحول من جولة واحدة من الامتحانات المحددة لمصیر الطلاب، إلى اعتماد تقییم الطلاب بصورة شمولیة. وفی السیاق نفسه ولمواجهة محدودیة الأماکن المتاحة بالتعلیم الجامعی والعالی، سعت إلى التوسع فی فرص التحاق الطلاب بالتعلیم العالی، والتی بلغت نسبتهم 86.5% من خریجی المرحلة الثانویة عام 2011.

-        متغیرات السوق ومؤشرات العرض للدروس الخصوصیة: عبرت خبرة الصین فی تعلیم الظل عن مؤشرات العرض التی تضمنتها أدبیات الدراسة (الوصول ـ المرونةـ التسویق ـ الإحالة ـ الحوکمة)، من خلال الصبغة التجاریة للدروس الخصوصیة بالصین، والتسویق المتنوع لها بوسائل الإعلام والإنترنت، وتنوع المعروض من الدروس الخصوصیة، وعلى الرغم من غلبة الطابع الجماعی على أشکال الدروس الخصوصیة، إلا أن المدارس الصغیرة والمدرسة المتخصصة تهتم بتقدیم موضوعات بعینها، وکذلک المدارس الکبیرة إلى جانب توفیرها لخدمات المتابعة على الإنترنت.

أما عن الإحالة، فتظهر بوضوح فی مراکز الدروس الخصوصیة على الإنترنت، حیث یدفع طلاب التکلفة فی حسابات مصرفیة وبالعملة الوطنیة للصین. ووفقًا لمؤشرات الحوکمة، تؤول الرقابة المباشرة على الدروس الخصوصیة فی الصین إلى السلطات المحلیة وفق المنطق التجاری ومفهوم السوق.

متغیرات السوق ومؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة: تعکس خبرة الصین مؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة کما جاءت فی آخر النظریة للدراسة، فمن حیث القدرة على تحمل تکلفة الدروس الخصوصیة، فالتقید بسیاسة الطفل الواحد فی الصین وظهور الأسرة النوویة یتیح للآباء تحمل نفقات الدروس الخصوصیة لأبنائهم، أما القصور فی مقابلة حاجات التعلم الفردی ـ کأحد مؤشرات الطلب على الدروس الخصوصیة ـ فیبین فی خبرة الصین فی قلة وقت فراغ الآباء لتعلیم أولادهم، أو افتقارهم للمؤهلات العلمیة. وعلى المستوى المدرسی تظهر فی حجم الفصول الکبیرة وفترات الدراسة الطویلة، مما یصعب معه توفیر الرعایة الکافیة للطلاب من قبل المدرسة.

ومن حیث اللامرکزیة السیاسیة، تتجه حکومة الصین وفقًا لخطتها العشریة لإصلاح التعلیم (2010 ـ 2020) نحو تطبیق حزمة من الإصلاحات التشریعیة لتعظیم دور الحکومات المحلیة فی التعلیم، وإصلاح أحوال المعلمین والامتحانات ونظم الرقابة والإشراف.

  1. حجم تعلیم الظل:

عبرت خبرة الصین عمّا جاء فی أدبیات الدراسة من حیث انتشار الدروس الخصوصیة بین الطلاب المتمیزین عن الطلاب منخفضی التحصیل، وفی المناطق الحضریة عنها فی المناطق الریفیة، نظرًا لضغط الأقران ومستوى التنافسیة المرتفع بین الطلاب المتمیزین فی المناطق الحضریة، إلى جانب طبیعة الامتحانات عالیة المخاطر فی الصین التی یتوقف علیهاـ فی المقام الأول ـ المستقبل الأکادیمی والمهنی للطلاب.

  1. أشکال تعلیم الظل:

ووفقًا لما جاء بأدبیات الدراسة، من حیث تنوع أشکال تعلیم الظل من الدروس الفردیة إلى قاعات المحاضرات الجماعیة والفصول کبیرة الحجم، یُلاحظ غلبة الطابع الجماعی على أشکال الدروس الخصوصیة فی الصین وتقدیمها لخدمات متنوعة للطلاب، خاصة التأهیل للاختبارات على مستوى الصین والامتحانات الدولیة المؤهلة للدراسة فی الخارج. وتشیر الأدبیات النظریة لتنامی الاستعانة بالتکنولوجیا فی الدروس الخصوصیة من خلال شبکة الإنترنت داخل وعبر الحدود الوطنیة. وخبرة الصین لیست بعیدة عن ذلک، حیث یتوافر بها مواقع للدروس الخصوصیة مسجلة على الإنترنت کمنظمات تجاریة، ویقبل الطلاب علیها توفیرًا للوقت والتکلفة، وضمان الحصول على المساندة الآنیة فی أی مکان یتواجدون فیه، خاصة طلاب المناطق الریفیة فی الصین.

  1. معلم تعلیم الظل:

یشیر الإطار النظری إلى تنوع مقدمی الدروس الخصوصیة فی المعرفة والخبرة والشخصیة. وفی الصین ثمّة تنوع فی مقدمی الدروس الخصوصیة من طلاب الجامعة إلى المدارس الرسمیة ـ وإن کانت قوانین الصین تحظر عملهم فی هذا النوع من التعلیم ـ والعاطلین عن العمل ولدیهم خبرة تدریسیة والمعلمین المرموقین وذوی السمعة القویة فی معدلات نجاح طلابهم، جذبًا للمزید منهم، مستخدمین فی ذلک وسائل التواصل الاجتماعی فی التعریف بأنفسهم.

وارتباطًا بمقدمی الدروس الخصوصیة، تفید الأدبیات بتعدد الأدوار التی یلعبها المدرسین الخصوصیین، وفی الصین یحرص مقدمو الخدمة على تبنی أدوار ناشری المعرفة والمحفزین لإرضاء حاجات طلابهم الفردیة، وکذلک تمثلهم لدوری القدوة والناصحین تأسیسًا على احترام قیمة العلم والروابط الأسریة ومفهوم السلطة الأبویة فی الثقافة الکونفوشیوسیة.

  1. السیاسات القومیة تجاه تعلیم الظل:

تتجه الأدبیات فی التعامل مع انتشار تعلیم الظل باعتباره ظاهرة عالمیة لا یمکن التغاضی عنها أو التخلص منها، خاصةً إذا کانت محفزًا فی کثیر من المجتمعات للتعدیل والتطویر فی نظم التعلیم الوطنیة. وتؤکد الدراسات النظریة على إیجابیات تعلیم الظل فی تحسین مستوى التعلیم بشکل عام، وتوظیف خریجی المؤسسات فی مجتمع ما. کما أن مفاهیم السوق ومتطلبات العولمة وتشجیع الاستثمار فی التعلیم، حفز الکثیر من الحکومات على تبنی سیاسات من شأنها تحقیق نوع من التوازن بین القطاعین الخاص والعام فی التعلیم وتغییر سیاسات التقییم ونظم الاختیار، ولا سیما ما یتصل منها بقواعد الالتحاق بالتعلیم العالی والجامعات. وتستجیب حکومة الصین لهذه التوجهات من خلال تبنی سیاسات تعلیمیة لإصلاح امتحانات شهادة الثانویة العامة وتحسین إجراءات الالتحاق بمرحلة ما بعد التعلیم الثانوی للتأکد من علمیة هذه الامتحانات على مستوى الدولة.

وتعرض أدبیات الدراسة أیضًا لسیاسات الشراکة، وسعی الحکومات للشراکة مع الأطراف الفاعلة والمؤثرة (المدارس والکیانات المجتمعیة المتنوعة) لتنظیم تعلیم الظل. وتسعى الصین فی هذا المجال لاتخاذ سلسلة من الإصلاحات التشریعیة فی التعلیم، تأسیسًا على التوجه نحو لامرکزیة التعلیم وتلبیة للاحتیاجات الاقتصادیة والاجتماعیة للمحلیات، وتبنی آلیات السوق فی التعامل مع مدارس وشرکات الدروس الخصوصیة باعتبارها منظمات تجاریة ربحیة. وبقولٍ آخر، تصطبغ سیاسات الشراکة الخاصة بتعلیم الظل فی الصین بالطابع الاشتراکی والذی تؤول فیه الرقابة المباشرة للمحلیات على تعلیم الظل. ومن ثمّ فالدمج بین المرکزیة واللامرکزیة فی الصین هی وسیلة إستراتیجیة لتجنب فقدان السیطرة المرکزیة، أو ما یُطلق علیه "اللامرکزیة المرکزیة" Centralized decentralization.

ثانیًا ـ معطیات ودروس مستخلصة من خبرة الصین:

إن تحلیل خبرة الصین فی تعلیم الظل وتقییمها فی ضوء الإطار النظری لهذا التعلیم، یفضی إلى استخلاص بعض من المعطیات والدروس على النحو التالی:

1-   المعطیات: تعبر عن مجموعة تحدیات نظریة وعملیة یجب أن تؤخذ فی الاعتبار عند معالجة وتفسیر ظاهرة تعلیم الظل بشکل عام، وهی: ([97])

-        صعوبة مقارنة النتائج فی تعلیم الظل لصعوبة توحید المصطلحات المستخدمة بین الباحثین فی المجال.

-        صعوبة جمع البیانات لأن المشارکین فی تعلیم الظل قد یکونوا غیر مرحبین بالفحص، فیتجنب بعض المدرسین الخصوصیین الاهتمام والظهور فی دائرة الضوء؛ للتهرب من الضرائب أو تکون شهاداتهم وأوراق اعتمادهم مشکوک بصحتها. وقد یشعر الطلاب بحساسیة ذلک الأمر لأن الدروس الخصوصیة دلیل على حاجتهم للمساعدة التعلیمیة، وکذلک الحال بالنسبة لأولیاء الأمور.

-        صعوبة تفسیر البیانات لتداخل العناصر المؤثرة فی سیاق تعلیم الظل، فالأمر لا یقتصر على المستوى الأکبر (الکلی) Macro-level ولکن یتضمن أیضًا المستوى الأصغر (الجزئی) Micro-level بما فی ذلک الأفراد والأسر وتوافر المدرسین الخصوصیین وضغط الأقران والسیاسات المدرسیة المختلفة فی التعامل مع الدروس الخصوصیة.

2-   الدروس المستفادة: تعبر عن دروس مستفادة واستنتاجات استرشادیة من دراسة خبرة الصین فی تعلیم الظل، وهی:

-        تنامی تطبیق مفهوم السوق فی التعلیم، خاصة مع مساندة الإصلاحات السیاسیة والاقتصادیة لتقدیم التعلیم من خلال قنوات خاصة، جنبًا إلى جنب مع نظم التعلیم الوطنیة.

-        ارتباط التوسع فی تعلیم الظل بقوى العولمة وزیادة التنافسیة: فالأسر تستثمر فی التعلیم من أجل الحفاظ على/ أو تعزیز مکانتها الاقتصادیة والاجتماعیة. وبالمثل تتشکل المکانة الاقتصادیة والاجتماعیة للدول من خلال قوى العولمة المصحوبة بحراک رأس المال والأیدی العاملة ودور التعلیم فی إعدادها للتعامل مع بیئات تنافسیة.

-        تتشکل القوى المحرکة للعرض والطلب على الدروس الخصوصیة نتیجة لعوامل عدة، أهمها؛ العوامل الثقافیة، والتصورات الوالدیة، وقصور ومشکلات جودة نظام التعلیم الرسمی ونوعیته.

-        یزداد حجم وکثافة الدروس الخصوصیة فی المناطق الحضریة عنه فی المناطق الریفیة. وتتنوع فترات تقدیم الدروس الخصوصیة وفقًا لنقاط التحول فی التعلیم، حیث یمکن تلقی الدروس الخصوصیة فقط فی فترة ما قبل الامتحانات الرئیسیة، خاصة المرحلة الثانویة، وقد تمتد لتشمل جمیع المراحل الدراسیة.

-        یواجه واضعو السیاسات صعوبات عدیدة ومرکبة تجاه التعامل مع تعلیم الظل؛ لتغیر الظروف باستمرار وتداخل عناصر وعوامل کثیرة فی تعلیم الظل، ومن ثمّ علیهم اتخاذ التدابیر للتعامل معه بدلًا من التفکیر فی کیفیة القضاء علیه، خاصةً إذا کان حافزًا لتطویر نظم التعلیم الوطنیة ومصدرًا للتفکیر المغایر فی کیفیة تلبیة حاجات الطلاب الفردیة وتحقیق طموحاتهم الأکادیمیة والمهنیة.

-        حفاظًا على وظیفتها الرئیسیة: من تعویض الضعف فی جودة التعلیم العام، وتحقیق مخرجات تعلیمیة أفضل فی عالم تتزاید حدة منافسته، تتحرک الدروس الخصوصیة بشکل أکبر تجاه توظیف وسائط التکنولوجیا؛ لتتحرک هذه الصناعة (التعلیمیة) خارج الحدود الوطنیة، وترسم مسارات عالمیة تتجاوز النظم الوطنیة للتعلیم والتعامل مع المجتمع العالمی الأوسع.

وهذا ما یتفق مع ما ذهب إلیه مارک برای من أن: "الدروس الخصوصیة قد أضحت أمرًا شائعًا بالفعل، وأن منعها منعًا باتًّا لیس خیارًا مجدیًا وفعالًا. ولم ینجح الخطر الشامل فی أی مکان، على الرغم من أن منع المعلمین النظامیین من إعطاء دروس خصوصیة إضافیة للتلامیذ قد یکون أمرًا مرغوبًا. وفی أغلب البلدان، یتعین مواجهة الدروس الخصوصیة من خلال مقاربات أکثر دقة ومتعددة الجوانب". ([98])

القسم الخامس

 إطار مقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة

یعتمد الإطار المقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة على مفهوم السیاسة کممارسة اجتماعیة تتجاوز الخطوط والموجهات العامة، إلى تقدیر وتبنی رؤى أصحاب المصالح المختلفة والأطراف الفاعلة فی العملیة التعلیمیة، ولا سیما أولیاء الأمور والطلاب والمعلمین، وتحویل السیاسات التعلیمیة إلى ممارسات قابلة للتطبیق والتأثیر فی سوق العرض والطلب على الدروس الخصوصیة فی مصر.

وانطلاقًا من إطار التعلیم فی الظل وتحلیل وتقییم خبرة الصین فی هذا التعلیم، یختتم البحث أقسامه بطرح إطار مقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة من خلال المحاور التالیة:

1-   أهداف الإطار المقترح:

یستهدف الإطار المقترح لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة تحقیق ما یأتی:

         ‌أ-         تعزیز الرؤیة متعددة المستویات، مترامیة الآثار، حول مدى وحجم الدروس الخصوصیة فی مصر؛ فمعالجة الظاهرة لا یتوقف فقط عند وزارة التربیة والتعلیم، ولکن یشارکها فی ذلک وزارات عدة ومستویات مجتمعیة مختلفة، نظرًا لتداخل سوق تعلیم الظل فی مصر مع قطاعات متعددة.

       ‌ب-       تحقیق التوازن بین العام والخاص فی نظام التعلیم المصری.

        ‌ج-       التأکید على الآثار الإیجابیة للدروس الخصوصیة فی العملیة التعلیمیة، فهی تلبی حاجات الطلاب، وتحسن من مستواهم الأکادیمی من ناحیة، وهی محفز فاعل لتطویر وتحسین جوانب العملیة التعلیمیة، خاصةً تطویر المناهج وطرق وأسالیب التدریس من ناحیة أخرى. ومن المفید فی هذا السیاق أن یبدأ صانعو السیاسات التعلیمیة فی مصر بطرح السؤال: إلى أی مدى یشکل تعلیم الظل مصدرًا محتملًا للقوة لم یستغل حتى الآن على أکمل وجه، ویستحق أن یشجع؟

         ‌د-        التأکید على تنوع وتداخل سیاسات التعلیم المصریة فی معالجتها لظاهرة الدروس الخصوصیة، ما بین سیاسات وقائیة وعلاجیة، وسیاسات بدیلة، یکمل کل منهم الآخر فی تحقیق الإفادة القصوى من إیجابیات الدروس الخصوصیة، والحد من آثارها السلبیة بشکل عام.

 

 

2-   منطلقات الإطار المقترح:

یسعى البحث من خلال منطلقات الإطار المقترح إلى توضیح قناعات الأطراف الفاعلة والمؤثرة فی تعلیم الظل (الدروس الخصوصیة) فی مصر، ویوضح فی الوقت نفسه علاقات التأثیر الوثیقة بین نظام التعلیم العام فی مصر وظله، ویحدد البحث المنطلقات التالیة لسیاسات التعلیم المصریة تجاه الدروس الخصوصیة:

-        تنامی ظاهرة الدروس الخصوصیة بشکل واضح على المستویات العالمیة والإقلیمیة والمحلیة، لافتة انتباه صناع السیاسات والتربویین والباحثین لآثاره العمیقة على نظم التعلیم الرسمیة.

-        الفهم المتعمق والمدروس لمؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة فی مصر، خاصة مع الفجوة التی قد تبدو بین مرئیات السیاسة التعلیمیة القائمة على البحوث الأکادیمیة المتخصصة من ناحیة، والاهتمامات والممارسات العملیة لواضعی السیاسات من ناحیة أخرى.

-        تمثل الدروس الخصوصیة خطوة نحو تحقیق التوازن بین التعلیم العام والتعلیم الخاص فی مصر، والتی تتماشى مع الاتجاه العالمی القائم على السوق ومتطلباته فی مجال التعلیم.

-        وبناء على الفکرة السابقة، یدعم نقص التمویل الحکومی للتعلیم المصری التوجه نحو الخصخصة والتسویق عبر مؤسسات التعلیم الرسمیة، عن طریق التحول فی البنیة التحتیة والمالیة والبشریة. ومن ثم یمکن استخدام فئتی الخصخصة کما حددهما "بول ویودل": إدارة المدارس کمؤسسات قطاع الأعمال ـ المبادرات والشراکات مع قطاع الأعمال. ومن شأن هذه الشراکات أن تعید ثقة الطلاب المصریین فی تعلم مهارات جدیدة من مدارسهم الرسمیة.

-        یعطی انتشار الدروس الخصوصیة فی مصر فی المراحل التعلیمیة والصفوف الدراسیة المختلفة مؤشرًا قویًّا لصانعی السیاسات التعلیمیة، عن مدى وحجم الضغوط والتغییرات التی حدثت فی المجتمع المصری ثقافیًّا واقتصادیًّا. وکما یقرر "برای" “Bray” کما أن الظل على المزاولة یخبر المراقب عن وقت التغییر فی الیوم، فإن ظل نظام التعلیم یمکن أن یخبر المراقب عن الضغوط المتغیرة فی المجتمع ([99]).

-        للأوضاع الأسریة (المستوى الاجتماعی/ الاقتصادی، التعلیمی/ الثقافی) دورًا هامًّا فی زیادة الطلب على الدروس الخصوصیة فی مصر. وبشکل عام، أصبحت الدروس الخصوصیة إحدى السمات المکونة للثقافة التعلیمیة بین الأسر المصریة، خاصة فی المرحلة الثانویة العامة (أهم نقاط التحول فی نظام التعلیم المصری).

-        إلى جانب التأکید على آثارها الإیجابیة، قد تنطوی الدروس الخصوصیة ـ خاصة التی تتحکم فیها قوى السوق بشکل کامل ـ على آثار غیر مرغوبة تزید من التباینات الاجتماعیة بین فئات المجتمع المصری. ومن ثمّ، یکون على صانعی السیاسات التعلیمیة فی مصر طرح السؤال: إلى أی مدى یشکل تعلیم الظل مشکلة (أو یحتمل أن یصبح کذلک) تضر بالأهداف التعلیمیة والاقتصادیة والاجتماعیة ما یستدعی التحکم فیها؟

-        نظرًا لصعوبة جمع بیانات دقیقة عن حجم وأشکال الدروس الخصوصیة فی مصر ـ لعدة اعتبارات أهمها عدم رغبة المعلمین والطلاب وأولیاء أمورهم فی تقدیم معلومات تفصیلیة فی هذا المجال ـ فإن صیاغة سیاسات تعلیمیة تجاه الدروس الخصوصیة فی مصر، یعتمد فی المقام الأول على التقدیرات الواعیة لواضعی تلک السیاسات، والرؤیة الشمولیة لتأثیرات الدروس الخصوصیة فی مصر، وغیرها من الدول ذات السیاق المماثل.

3-   السیاسات والممارسات التعلیمیة تجاه الدروس الخصوصیة:

لطالما التزم صانعو سیاسات التعلیم المصریة الموقف الدفاعی فی علاجهم لأزمات الدروس الخصوصیة المتکررة، إلا أن الضغوط والتغییرات الحالیة فی المجتمع المصری، وللتعامل مع هذه الظاهرة ـ العالمیة ـ بشکل علمی وبناء على معطیات مجتمعیة واقعیة، یتطلب من صانعی سیاسات التعلیم فی مصر الوقوف على أسباب وجود الدروس الخصوصیة فی المقام الأول وکیف یمکن التعلم منها، خاصةً إذا کان وجودها انعکاس لأوجه القصور والضعف فی نظام التعلیم المصری، مما قد یمکنهم من وضع سیاسات إصلاحیة. أما إذا کانت الدروس الخصوصیة فی مصر هی صدى لقوى اجتماعیة واقتصادیة إقلیمیة وعالمیة، تخرج عن سیطرة صانعی سیاسات التعلیم المصریة، فمن ثمّ ینبغی فهمها والوعی بما قد یکون لها من تأثیرات على سیاق المجتمع المصری.

وفی ضوء ذلک، یمکن تقسیم سیاسات التعلیم المصریة المستهدفة لمواجهة الدروس الخصوصیة وما یرتبط بها من ممارسات إلى:

-        سیاسات علاجیة.

-        سیاسات وقائیة.

-        سیاسات بدیلة.

ویتم تناولها على النحو التالی:

‌أ-         السیاسات العلاجیة للدروس الخصوصیة:

وتستهدف هذه السیاسات معالجة أوجه القصور وتحسین نوعیة العملیة التعلیمیة فی مدارس التعلیم العام، وتعبر عنها الممارسات التالیة:

-        تطویر وتعدیل المناهج الدراسیة وفقًا للرؤیة العالمیة للجودة والتنافسیة التعلیمیة.

-        تفعیل القرارات الوزاریة بشأن تطبیق التعلم النشط فی مراحل التعلیم المختلفة، وما یرتبط به من اکتساب مهارات حل المشکلات والتفکیر الناقد.

-        تقییم الاحتیاجات المرحلیة والنوعیة والعلمیة من المعلمین، ورسم خریطة الاحتیاجات والتنسیق مع وزارة التعلیم العالی، لتشجیع الطلبة للالتحاق بکلیات التربیة فی التخصصات العلمیة التی یوجد بها نقص.

-        استطلاع رأى المعلمین فیما یرونه ملائمًا لهم من حیث تعدیل نظم الأجور والعلاوات والترقیات.

-        منعًا لإعطاء دروس خصوصیة أثناء الیوم الدراسی، یمکن التنسیق بین وزارة التربیة والتعلیم ووزارة الإدارة المحلیة فی تجریم مراکز الدروس الخصوصیة الصباحیة، وغلقها فی إطار السلطة الممنوحة للمحافظین والمحلیات.

-        أن یتم استطلاع آراء الطلاب فی أداء معلمیهم، وأن یؤخذ ذلک فی الحسبان فی تقاریرهم السنویة.

-        إصلاح منظومة تقویم الطلاب فی مراحل التعلیم المختلفة؛ لتتجه نحو تطبیق نظام التقویم الشامل، وما یتضمنه من قیاس القدرات والمهارات المختلفة للطالب بخلاف القدرة المعرفیة، باستخدام مدى متنوع من آلیات وأسالیب التقویم: الامتحانات العملیة والشفهیة، الأنشطة المنهجیة واللامنهجیة.

-        تفعیل القرارات الوزاریة الخاصة بالإصلاح التعلیمی المتمرکز حول المدرسة؛ لدورها المباشر فی الوقوف على الاحتیاجات الفعلیة لأولیاء الأمور، والطلاب، والاستجابة السریعة لهذه الاحتیاجات، خاصة الأکادیمیة والتربویة منها.

‌ب-       السیاسات الوقائیة للدروس الخصوصیة:

وتستهدف هذه السیاسات الحد من تزاید وانتشار الدروس الخصوصیة بین طلاب التعلیم العام فی مصر، خاصة التعلیم الأساسی بمرحلتیه، وتعبر عنها الممارسات التالیة:

-        أن تتضمن المجالس المدرسیة خاصة مجالس الأمناء والمعلمین مساحة کافیة من الوقت وتبادل الآراء لعرض تقییمات المعلمین حول طلابهم، من حیث القدرة العامة على التعلم ومستویات الإنجاز فی اللغة والریاضیات مقارنة بالأقران فی الصف. ویشمل أیضًا التقییم عادات الطلاب الدراسیة ومدى ما یبذلونه من جهد لتحقیق درجات أفضل من خلال واجباتهم المنزلیة والمشارکة بفعالیة فی أنشطة الصف الدراسی.

-        عقد ورش عمل دوریة على مستوى الوزارة ومدیریات التعلیم، حول تأثیرات الدروس الخصوصیة یشارک فیها عامة المواطنین وممثلون عن نقابة المعلمین؛ لشرح أبعاد الظاهرة والاستماع لأولیاء الأمور ووجهات نظر الطلاب فی هذا الشأن.

-        اهتمام مدیری المدراس بتوجیه معلمیهم الذین قد یظهروا تمییزًا إیجابیًّا فی معاملة التلامیذ المتلقین للدروس الخصوصیة، أو تمییزًا سلبیًّا فی معاملة التلامیذ الذین لا یتلقون دروسًا خصوصیة.

-        توظیف تکنولوجیا المعلومات والاتصال، خاصة البرید الإلکترونی لتفعیل التواصل بین الآباء والمدرسة؛ لمتابعة حالات الطلاب الأکادیمیة والسلوکیة والاجتماعیة وتبادل وجهات النظر فیما قد یظهر من مشکلات تعلیمیة أو سلوکیة أولًا بأول.

-        استحداث میثاق جدید ـ على غرار میثاق الطفل ـ یعنى بحقوق التلامیذ فی مراحل التعلیم العام المصری، ودور مؤسسات التعلیم والمعلمین فی المقام الأول على تحقیق جوانب النمو الشامل للتلامیذ خاصة منخفضی الأداء الأکادیمی.

-        إجراء المزید من الدراسات الاستطلاعیة ودراسات الحالة بالتعاون بین وزارة التربیة والتعلیم ومرکز البحوث الاجتماعیة؛ لإعادة النظر فی إدارة المعلمین والوقوف على مبررات الفجوة بین ما یتمثله المعلمون من أدوار فی صفوفهم الرسمیة، وأدوارهم المغایرة تمامًا عند تقدیمهم للدروس الخصوصیة، سواء الفردیة أو فی مجموعات.

-        تفعیل دور وسائل الإعلام المختلفة فی زیادة الوعی العام بما للدروس الخصوصیة من آثار سلبیة على الطلاب والأسر بشکل عام.

‌ج-       السیاسات البدیلة للدروس الخصوصیة:

تستهدف السیاسات البدیلة للدروس الخصوصیة تطبیق بعض مظاهر الدروس الخصوصیة فی التعلیم العام والتأکید على آثارها الإیجابیة، وتبنی سیاسات للشراکة مع مؤسسات القطاع الخاص فی هذا المجال، خاصة مع نقص التمویل الحکومی للتعلیم فی مصر، وتعبر الممارسات التالیة عن السیاسات البدیلة للدروس الخصوصیة فی مصر:

-        الاستعانة بالمرموقین من مقدمی الدروس الخصوصیة فی مصر لتقدیم دروس مجانیة فی المواد الأساسیة خاصة الریاضیات والعلوم عبر قنوات التعلیم الفضائیة والإنترنت.

-        تشکیل فرق بحثیة على مستوى وزارة التربیة والتعلیم لدراسة الإستراتیجیات التسویقیة لمراکز الدروس الخصوصیة، والإفادة منها فی الوقوف على مؤشرات العرض والطلب على الدروس الخصوصیة فی مصر.

-        تشجیع المؤسسات الخیریة ومنظمات المجتمع المحلی على تقدیم الدروس الخصوصیة لمجموعات الطلاب ذوی الدخل المنخفض، خاصة فی المناطق والأحیاء الفقیرة والعشوائیة.

-        تشجیع المعلمین ممن یقدمون خدمة الدروس الخصوصیة على تشکیل کیانات مهنیة لهم لإدارة شئونهم ذاتیًّا، وتکون همزة وصل یمکن من خلالها مد جسور التواصل مع وزارة التربیة والتعلیم؛ لتحقیق المصلحة المشترکة فی رعایة ومتابعة المستوى الأکادیمی للطلاب.

-        المراجعة الشاملة لقرارات الوزارة حول الدروس الخصوصیة والنظر فی تحقیق التوازن بین الاعتبارات التعلیمیة لحمایة الطلاب وأسرهم من ناحیة، والاعتبارات التجاریة التسویقیة المرتبطة بالشفافیة فی المعاملات المالیة وإدارة مراکز الدروس الخصوصیة من ناحیة أخرى.

-        أن تتجه وزارة التربیة والتعلیم إلى عقد مزید من الشراکات البحثیة والحواریة مع الجامعات ومراکز البحوث (العلمیة والاجتماعیة)، والتی من شأنها سد الفجوة بین المنظرین التربویین والممارسین على تحدید أولویات المشکلات التربویة، وتخصیص الموارد والإمکانات البشریة والتعلیمیة لحلها، وصولًا لتلبیة التوقعات المجتمعیة المتبادلة.

-        فی سیاق ضرورة توافر بیانات کمیة ونوعیة وافیة حول الدروس الخصوصیة فی مصر، یمکن لوزارة التربیة والتعلیم بالتعاون مع مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار والجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء من جمع المؤشرات الدالة على حجم استهلاک الدروس الخصوصیة، من خلال إضافة الدروس الخصوصیة ضمن بند المصروفات التعلیمیة فی الدراسات الاستقصائیة التی یقوم بها مرکز المعلومات، أو الجهاز المرکزی للتعبئة العامة والإحصاء، حول أوجه ومعدلات الإنفاق فی الأسر المصریة. أما المؤشرات على فعالیة الدروس الخصوصیة، فیمکن جمعها من خلال سؤال الطلاب فی امتحانات القبول بالکلیات عمّا إذا کانوا قد تلقوا دروسًا خصوصیة فی الثانویة العامة وفی أی موضوعات کانت.

 

 

هوامش الدراسة



(*) الأستاذ المساعد بقسم التربیة المقارنة والإدارة التعلیمیة، کلیة التربیة، جامعة عین شمس.

*Mark Bray et al, “the internal dynamics of privatized public education: Free-charging supplementary tutoring provided by teachers in Cambodia”, International Journal of Educational Development, 49, 2016, p. 293.

 

(*) Wei Zhang and Mark Bray, “shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, in: S. Guo and Y. Guo (Eds.), Spotlight on China: changes in education under China’s market economy, (Rotterdam: Sense publishers, 2016), p.94.

(*)Percy Lai Yin Kwok, “Demand intensity, market parameters and policy responses towards demand and supply of private supplementary tutoring in China”, Asia pacific Education Review, vol. 11, No. 1, 2010, p. 57.

(*) یرجى الرجوع إلى ص (13) من البحث.



[1] Eva Gamarnikow, "Education in network society: critical reflections", in: R.Cowen&A.M.Kazomias (Eds.), international handbook of comparative Education, (U.S.A: Springer, 2009), P.622.

[2]Mark Bray, “Shadow education: Comparative perspectives on the expansion and implications of private supplementary tutoring”, Beijing Forum 2010, ELSEVIER, p.412.

[3] Jaesung Choi, “Unequal access to shadow education and its impacts on academic outcomes: Evidence from Korea, (Pennsylvania: University of Pennsylvania, 2015), p.2.

[4] مارک برای، مواجهة نظام التعلیم الظلی: أی سیاسات حکومیة لأی دروس خصوصیة، (القاهرة: منشورات الیونسکو، 2012)، ص. 26.

 [5] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تقییم سیاسة مجانیة التعلیم قبل الجامعی وأثرها على جودة مخرجات العملیة التعلیمیة، (القاهرة: مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إبریل 2014)، ص ص. 17 ـ 18.

[6] وزارة التربیة والتعلیم، الخطة الإستراتیجیة للتعلیم قبل الجامعی 2014 ـ 2030: التعلیم المشروع القومی لمصر، (القاهرة: وزارة التربیة والتعلیم، 2014)، ص ص. 75 ـ 77.

 [7]المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، شعبة بحوث السیاسات التربویة، آلیات تطویر الثانویة العامة نظام السنة الواحدة: دراسة میدانیة، (القاهرة: المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، 2015)، ص 159.

[8] المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، تفعیل دور المدرسة الثانویة العامة فی مواجهة ظاهرة غیاب الطلاب عن الدراسة: دراسة میدانیة، (القاهرة: المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة،2011 ـ 2012)، ص 5.

[9] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تقییم سیاسة مجانیة التعلیم قبل الجامعی وأثرها على جودة مخرجات العملیة التعلیمیة، مرجع سابق، ص16.

 [10]المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، شعبة بحوث السیاسات التربویة، آلیات تطویر الثانویة العامة نظام السنة الواحدة: دراسة میدانیة، مرجع سابق، ص ص 149 ـ 150.

[11] المرجع السابق، ص 148.

 [12]المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، شعبة بحوث تطویر المناهج، إستراتیجیة مقترحة لمواجهة مشکلات التعلیم والتعلم فی الفصول عالیة الکثافة، (القاهرة: المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، 2013 ـ 2014)، ص 3.

[13] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، “واقع التعلیم فی مصر، حقائق وآراء"، تقاریر معلوماتیة، السنة السابعة، العدد (68)، مارس 2013، ص 8.

[14] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، تقییم سیاسة مجانیة التعلیم قبل الجامعی وأثرها على جودة مخرجات العملیة التعلیمیة، مرجع سابق، ص40.

[15] المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، شعبة بحوث تطویر المناهج، إستراتیجیة مقترحة لمواجهة مشکلات التعلیم والتعلم فی الفصول عالیة الکثافة، مرجع سابق، ص ص 6 ـ 7.

 [16]المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، تفعیل دور المدرسة الثانویة العامة فی مواجهة ظاهرة غیاب الطلاب عن الدراسة: دراسة میدانیة، مرجع سابق، ص ص 10/130.

[17] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، "واقع التعلیم فی مصر، حقائق وآراء"، تقاریر معلوماتیة، السنة السابعة، العدد (68)، مرجع سابق، ص 9.

[18] المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، شعبة بحوث المعلومات التربویة، تصور مقترح لتطویر منظومة تقویم طلاب المرحلة الثانویة فی ضوء خبرات بعض الدول، (القاهرة: المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، 2013 ـ 2014)، ص ص 20 ـ 21.

 [19]المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، تفعیل دور المدرسة الثانویة العامة فی مواجهة ظاهرة غیاب الطلاب عن الدراسة: دراسة میدانیة، مرجع سابق، ص 102.

[20] مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، استطلاع رأی حول إنفاق أولیاء الأمور على المستویات المختلفة من التعلیم، (القاهرة: مجلس الوزراء، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مارس 2011)، ص 1، 5، 6.

[21] Wei Zhang & Mark Bray,” Researching supplementary education: plans, realities, and lessons from fieldwork in supplementary education”, International perspectives on education and society, Vol.22, (U.K: Emerald group publishing limited, 2013), p.72.

[22] D.L. Stevenson & D.P. Baker,” Shadow education and allocation in formal schooling: transition to university in Japan”, American Journal of Sociology, Vol.97, No. 6, May1992, p. 1640.

[23] Michael Kassotakis & MthanasiosVerdis, “Shadow education in Greece: characteristics, consequences and eradication efforts”, in: Mark Bray et al (Eds.), Private tutoring across the Mediterranean, (Rotterdam: Sense Publishers &Mediterranean Journal of Educational Studies, 2013), p.93.

[24] مارک برای، مواجهة نظام التعلیم الظلی: أی سیاسات حکومیة لأی دروس خصوصیة، مرجع سابق، ص 13.

[25] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, ERC Monograph Series in Comparative and International Education and Development, No.9, (Manila: Asian Development Bank, 2012), p.14.

[26] Mark Bray, “Benefits and tensions of shadow education: Comparative perspectives on the roles and impact of private supplementary tutoring in the lives of Hong Kong students”, Journal of International and Comparative Education, vol. 2, Issue 1, 2013, p.19.

[27] Soo-Yong & David P. Baker, “Shadow education”, in: Robert Scott & Stephan Kosslyn (Eds.), Emerging trends in the social and behavioral sciences, (New Jersey: John Wiley & Sons, Inc., 2015), p.2.

[28] Ibid., p.1.

[29] Claudia Chan & Mark Bray, “Marketized private tutoring as a supplement to regular schooling: liberal studies and the shadow sector in Hong Kong secondary education”, J. Curriculum Studies, Vol. 46, No. 3, 2014, p.363.

[30] Mark Bray, "Exacerbating or reducing Disparities? The Global Expansion of Shadow Education and Implications for the Teaching Profession", International Council on Education for Teaching (ICET), 59th World Assembly,” Challenging Disparities in Education”, (Tokushima: Naruto University of Education, 29 June 2015), p. 8.

[31] UNESCO, Rethinking education: towards a global common good, (Paris: UNESCO, 2015), P.72.

[32] S.J. Ball & D. Youdell, Hidden privatization in public education, (Brussels: Education International, 2008), p. 98.

[33] Claudia Chan & Mark Bray, “Marketized private tutoring as a supplement to regular schooling: liberal studies and the shadow sector in Hong Kong secondary education”, Op. Cit., pp.373-375.

[34] Refer to:

-    Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., p.25.

-    Soo-Yong & David P. Baker, Op. Cit., p.3.

[35] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., p.23.

[36] Kumon, What’s Kumon, 2012, available at. http://www.Kumon.com/About Us.aspx Accessed 5 January 2017.

[37] Ibid

[38] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., p.30.

[39] Modern Education Group Limited, Global offering (for stock market launch), (Hong Kong: Modern Education Group Limited, 2011), p. 93.

[40] Percy Lai Yin Kwok, “Demand intensity, market parameters and policy responses towards demand and supply of private supplementary tutoring in China”, Asia Pacific Education Review, Vol.11, No.1, 2010, p.55.

[41] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., p. 26.

[42] Melodie Cook, “Expatriate parents and supplementary education in Japan: Survival strategy or acculturation strategy”, Asia Pacific Education Review., Vol. 14, 2013, p.406.

[43] Michael Kassotakis& MthanasiosVerdis, Op. Cit., p. 101.

[44] Mark Bray, “Shadow education: Comparative perspectives on the expansion and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 416.

[45] Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., p. 56.

[46] Mark Bray, “Shadow education: Comparative perspectives on the expansion and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 417.

[47] Mark Bray &Magda NutsaKobakhidze, “The global spread of shadow education: Supporting or undermining qualities of education?”, in: D.B. Napier (Ed.), Qualities of education in a globalized world, (Rotterdam: Sense publishers, 2014), p.195.

[48] Mark Bray, “Shadow education: Comparative perspectives on the expansion and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 414.

[49] Ibid., p.415.

[50] Mark Bray& OraKwo, “Behind the façade of fee-free education: Shadow education and its implications for social justice”, Oxford Review of Education, Vol. 39, No, 4, 2013, p. 488.

[51] Ibid., p.486.

[52] Mark Bray, “Shadow education: Comparative perspectives on the expansion and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 415.

[53] Refer to:

   - مارک برای، مواجهة نظام التعلیم الظلی: أی سیاسات حکومیة لأی دروس خصوصیة، مرجع سابق، ص32.

- Interactive Math Tutor, available at. http://www.interactivemathtutor. com/ Accessed 8 December 2016.   

[54] Mark Bray, “Benefits and tensions of shadow education: Comparative perspectives on the roles and impact of private supplementary tutoring in the lives of Hong Kong students”, Op. Cit., p.25.

[55] Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., p. 53.

[56] Mark Bray &Magda NutsaKobakhidze, “The global spread of shadow education: Supporting or undermining qualities of education?”, Op. Cit., p.190.

[57] AsankhaPallegedara, Demand for private tuition classes under the free education policy: Evidence based on Sri Lanka, MPRA (Munich PersonalRePEcArchive, July 2011), p.7.

[58] Ho Nga Hon, “Hong Kong’s shadow education-private tutoring in Hong Kong”, The Hong Kong Anthropologist, Vol. 4, 2010, pp.67-69.

[59] Ibid., p.65.

[60] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., pp.65-66.

[61] Refer to:

- مارک برای، مواجهة نظام التعلیم الظلی: أی سیاسات حکومیة لأی دروس خصوصیة، مرجع سابق، ص33.

- Michael Kassotakis& Mthanasios Verdis, Op. Cit., p. 108.

[62] Mark Bray & Chad Lykins, “Shadow education-private supplementary tutoring and its implications for policy makers in Asia”, Op. Cit., pp.49-50.

[63] Ibid., p. 52.

[64] Ibid., p.64.

[65] B.A.U. Levinson et al, “Education policy as a practice of power: theoretical tools, ethnographic methods, democratic options”, Education Policy, Vol.23, No. 6, 2009, p.771.

[66] Mark Bray & Magda NutsaKobakhidze, “The global spread of shadow education: Supporting or undermining qualities of education?”, Op. Cit., p.194.

[67] Ibid., p.196.

[68] Xiu Chen Cravens et el, “Defining school effectiveness in the reform for quality-oriented education”, The impact and transformation of education policy in China, International perspectives on education and society, Vol. 15, 2011, p.155.

[69] Haiyan Qian, “The gap between policy intent and policy effect: An exploration of the interpretations of school principals”, The impact and transformation of education policy in China, International perspectives on education and society, Vol. 15, (U.K: Emerald group publishing limited, 2011), p. 190.

[70] Ibid., p.191.

[71] Ibid., p.192.

[72] Ibid., p.195.

[73] Ministry of education, Outline of China’s national plan for medium and long-term education reform and development 2010-2020, (Beijing: Ministry of education, July 2010).

[74] Yujing Ni et al,” China’s new millennium curriculum reform in Mathematics and its impact on classroom teaching and learning”, The impact and transformation of education policy in China, International perspectives on education and society, Vol. 15,(U.K: Emerald group publishing limited, 2011), P.102.

[75] S. Guo et al, “Changes in Chinese education under globalization and market economy: emerging issues and debates”, Compare, Vol.43, No. 2, 2013, p.251.

[76] Wei Zhang &Mark Bray, “Shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, in: S.Guo and Y.Guo (Eds.), Spotlight on China: Changes in education under China’s market economy, (Rotterdam: Sense publishers, 2016), pp.86-87.

[77] Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., pp.53-54.

[78] Refer to:

-Wei Zhang &Mark Bray, “Shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 92.

-Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., p.52.

[79] Wei Zhang &Mark Bray, “Shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 93.

[80] Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., p.54.

[81] Ibid., p.55.

[82] Ibid., p.56.

[83] Refer to:

- Ministry of Education (MOE), Rules of professional ethics of teachers in primary and secondary schools, (Beijing: Ministry of Education, 2008), item 5.

- Wei Zhang &Mark Bray, “Shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 90.

[84] Wei Zhang &Mark Bray, “Shadow education: The rise and implications of private supplementary tutoring”, Op. Cit., p. 91.

[85] Percy Lai Yin Kwok, Op. Cit., p.56.

[86] Mark Bray & OraKwo, Regulating private tutoring for public good: policy options for supplementary education in Asia, (Hong Kong: Comparative Education Research Center, 2014), p.56.

[87] Ibid., p.57.

[88] Refer to:

- Ministry of education, Outline of China’s national plan for medium and long-term education reform and development 2010-2020, (Beijing: Ministry of education, July 2010), Op. Cit.

- Heidi Ross& Yimin Wang, “Reforming the college entrance examination: Epicenter of tension, change and resistance”, The impact and transformation of education policy in China, International perspectives on education and society, vol.15, (U.K: Emerald group publishing limited, 2011), p.212.

[89] Wei Zhang &Mark Bray,” Researching supplementary education: plans, realities, and lessons from fieldwork in supplementary education”, Op. Cit., p.72.

[90] Ho Nga Hon, “Hong Kong’s shadow education-private tutoring in Hong Kong”, Op. Cit., p. 64.

[91] Ibid., p.65.

[92] Heidi Ross& Yimin Wang, Op. Cit., p.210.

[93] Ibid., p.211.

[94] Tingting Qi, “Moving toward decentralization? Changing education governance in China after 1985, “The impact and transformation of education policy in China, International perspectives on education and society, vol. 15, (U.K: Emerald group publishing limited, 2011), p.21.

[95] Ibid., p.24.

[96] Ibid., p.25.

[97] Wei Zhang &Mark Bray,” Researching supplementary education: plans, realities, and lessons from fieldwork in supplementary education”, Op. Cit., p.73.

[98] مارک برای، مواجهة نظام التعلیم الظلی: أی سیاسات حکومیة لأی دروس خصوصیة، مرجع سابق، ص122.

[99] Mark Bray, “Benefits and tensions of shadow education: Comparative perspectives on the roles and impact of private supplementary tutoring in the lives of Hong Kong students”, Op. Cit., p.27.